هل الدين مسؤول عن التطرف؟ 

(2)يقول الملحدون: إن المتطرفين يؤمنون بأنهم على حق لأنهم قرؤوا الحقيقة في كتاب مقدس، ويعرفون مقدماً بأنه لا شيء يمكن أن يحرفهم عن إيمانهم الحقيقة في كتابهم المقدس تعتبر من البديهيات وليس نتيجة برهان عقلاني الكتاب على حق وعندما تبدو الأدلة وكأنها تناقضه فعندها يجب رفض الأدلة، وليس الكتاب وعلى العكس من ذلك فأنّ ما أؤمن به كعالم وعلى سبيل المثال نظرية التطور فإنّ ما أؤمن به ليس لأنني قرأت كتاباً مقدساً، بل لأنني درست الأدلّة، وهذا موضوع مختلف تماماً. 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

كما اشرنا في تعليقات سابقة إن الإلحاد لا يقدم تحليلاً موضوعياً لكثير من الظواهر الفردية والاجتماعية، وإنما يلجا دائماً إلى تحميل مسؤولية الظواهر السلبية الي الدين والتدين، الامر الذي يؤكد بوضوح أن الإلحاد لا ينطلق من دوافع علمية مجردة، وإنما تحركه في الواقع نفسية كارهة للدين، فالتطرف مثلاً امر مدان عند جميع العقلاء، لكونه حالة عدوانية لا يمكن تبريرها بأي شكل من الاشكال، ومع ذلك تجد الإلحاد وبكل بساطة يريح نفسه من عناء البحث ليقول أن الدين هو المسؤول عن هذه الظاهرة، ثم يسوّق لنا نفسه على أنه الباحث الحازق والخبير الماهر. وللتدليل على ذلك نجد هنا هذا المسكين وبكل سذاجة يقول: (إن المتطرفين يؤمنون بأنهم على حق لأنهم قرؤوا الحقيقة في كتاب مقدس)، فيُرجع وبكل سطحية التطرف إلى وجود كتاب مقدس يحتوي على حقائق قطعية، مع اننا لم نفهم على وجه الدقة سبب التطرف، هل هو مجرد امتلاك الإنسان للحقيقة وشعوره بها؟ أم هو بسبب أن هذه الحقيقة قد وجدت في كتاب مقدس؟. وكل واحد من الخيارين لا يرتبط برابط منطقي ولا برابط عرفي بالتطرف؛ وذلك لأن الإنسان يمكن أن يمتلك الحقيقة ويشعر بها في عمق وجوده وكيانه ومع ذلك لا يكون متطرفاً، ولا فرق بين ان يجد هذه الحقيقة في كتاب مقدس أو يجدها في أي مكان أخر. كما أن مجرد اعتقاد الإنسان بوجود كتاب مقدس لا يصيره متطرفاً، طالما ان الكتاب لا يمره بالتطرف، وعليه ما هو الرابط المنطقي بين الرجوع الي الكتاب المقدس وبين التطرف؟ 

ثم يقول: (ويعرفون مقدماً بأنه لا شيء يمكن أن يحرفهم عن إيمانهم..) وبهذا الكلام يحاول ان يوجد الرابط المنطقي بين الرجوع إلى الكتاب المقدس وبين التطرف، فيقول ان السبب في ذلك أن المؤمن بالكتاب المقدس لا يحيد عنه ولا ينحرف عن تعاليمه، وهو بذلك يرتكب حماقة ثانية عندما يفسر التطرف بعدم التنازل عما يراه حقيقة، في حين أن التطرف لا علاقة له بذلك وإنما التطرف يعني أن الإنسان بسبب أفكاره الخاصة يتجاوز حدود الاخرين، وعليه يمكن أن يكون الإنسان على بصيرة من أمره وعلى يقين من قناعاته ومع ذلك لا يكون متطرفاً.  

يقول: (الحقيقة في كتابهم المقدس تعتبر من البديهيات وليس نتيجة برهان عقلاني)، فلو سلمنا له بما يقول وافترضنا أن الحقيقة المستنبطة من الكتاب لا يؤيدها البرهان العقلي، إلا أننا مع ذلك لم نفهم علاقة كل ذلك بالتطرف؟ فهل يقصد أن الحقيقة التي تقوم على البرهان العقلي صحابها لا يمكن أن يتطرف؟ بالتأكيد أن هذا الامر غير صحيح فإمكانية تطرف غير المتدين موجودة ولا يمكن نفيها. والدليل على ذلك تعصب القائلين بالداروينية لهذه النظرية مع ما فيها من فراغات غير واضحة وقفزات غير منطقية.  

يبدو أن التحليل الموضوعي لهذه الظاهرة لا علاقة له بالأديان، كما ليس له علاقة بمدى رسوخ الفكرة عند الإنسان، وإنما التطرف يرجع بشكل مباشر للنفسية المتطرفة سوى كانت مؤمنة أو غير مؤمنة، أما الأسباب التي تجعل بعض النفسيات متطرفة فكثيرة فبعضها يعود إلى عوامل التربية ومحيط الاسرة، مثل من يعاني في صغره من صدمات نفسية قاسية، أو عاش مرارات في سن مبكرة، وقد يرجع بعضها لعوامل اجتماعية مثل أن تكون الثقافة المجتمعية قائمة اساساً على التطرف وتجاوز حدود الاخرين أو أن البيئة السياسية بيئة قاسية قائمة على الاقصاء والتهميش، وكذلك قد يكون السبب عوامل نفسية مثل الإضرابات العصبية. المهم أن النفسية المتطرفة هي المسؤولة عن هذه النزعة العدوانية ولا علاقة لها برسوخ الفكرة في ذهن الإنسان المتدين. 

a