هل التسونامي يتعارض مع عدالة الله؟

مصطفى الدراجي/:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. الكثير من الملحدين الغربيين ينكرون وجود الله لانهم يدعون انه غير عادل ويستشهدون بحادثة توسونامي ممكن توضيح هاي الشبهه الكبيرة لانني عالجت كل الشبة ما عدا حادثة تسونيامي وامثالها من الكوارث الطبيعية.

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

يبدو أن التعارض الموهوم هو بين العدالة وبين وجود الشرور في الدنيا، ومن الواضح أن (التسونامي) ليس إلا مصداقاً للظواهر الطبيعية التي يفهمها البعض على أنها شرور مثل الزلازل والبراكين والاعاصير والامراض وغير ذلك، وبالتالي ليس للتسونامي خصوصية تجعل منه إشكالاً قائماً بذاته وإنما يندرج ضمن الشواهد الأخرى التي يراها البعض متعارضة مع وجود إله عادل لهذا الوجود، وعليه فإن المعالجة المطلوبة هي في إيجاد انسجام بين هذه الظواهر وبين الإيمان بعدالة الله تعالى. 

وقد تطرقنا في إجابة سابقة لهذا الموضوع يمكن أن نجمل ما قلناه في الاتي: 

أولاً: البحث عن الخير والشر يعد بحثاً في فلسفة الاخلاق، وهي الفلسفة التي تهتم بالجانب القيمي في الأشياء، والإلحاد كنمط فلسفي ليس له أي مساهمة في هذا الجانب؛ وذلك لكونه فلسفة مادية قشرية لا تعترف بوجود قيم أخلاقية من الأساس، فالحق، والخير، والعدل، والإحسان، والرحمة... وغيرها من القيم ليست صفات موجودة في المادة، بل غير موجودة حتى في الإنسان بوصفه مادة تحركه أعصاب غير واعية، فمع تحكم هذه النظرة كيف يمكن أن نوجد تفسيراً مختبرياً وتشريحياً لهذه القيم الأخلاقية عند الإنسان؟

فمن المستحيل ثبوتاً وإثباتاً أن يكون هناك قيم أخلاقية تتصف بالإطلاق دون الإيمان بوجد إله يكون مصدراً لهذا الإطلاق، وهذا ما تنبه إليه الكثير من فلاسفة الإلحاد، وقد أدرك الفيلسوف الوجودي الملحد (جون بول سارتر)، مبلغ الإحراج الفكري في مسألة أصل التمييز الأخلاقي بين الخير والشر، ولذلك قال: "يجد الوجودي حرجًا بالغًا في ألّا يكون الله موجودًا، لأنه بعدم وجوده تنعدم كلّ إمكانية للعثور على قيم في عالم واضح. لا يمكن أن يكون هناك خير بدهي لأنّه لا يوجد وعي لانهائي وكامل من الممكن التفكير فيه. لم يُكتب في أيّ مكان أنّ الخير موجود، ولا أنّ على المرء أن يكون صادقًا أو ألّا يكذب".  

ومن هنا نجد أن ريتشارد دوكنز يتسق مع إلحاده ويلتزم بمالاته، فيرفض صبغ الوجود ككلّ بأية صفة قيمية على الإطلاق، فيقول مقرّا بمشكلة النسبية الأخلاقية: "في هذا العالم لا يوجد شر ولا يوجد خير، لا يوجد سوى لامبالاة عمياء وعديمة الرحمة". ويقول أيضاً: إنّه من العسير جدًا الدفاع عن الأخلاق المطلقة على أسس غير دينية" . 

وقد أشاد داروين نفسه بالدور الفعال للإيمان بالمعبود حيث يقول: "وبالنسبة للأعراق الأكثر تمدناً، فإن الإيمان الراسخ بالوجود الخاص بمعبود، مطلع على كل شيء قد كان له تأثير فعال، على التقدم الخاص بالأخلاق" .

وفي المحصلة أن الأمر الذي يجب حسمه هو أن الملحد لا يمكنه الاعتراض على أخلاقية الوجود إلا إذا اعترف أولاً بوجود الله؛ لأن الكلام عن الأخلاق يبدأ بعد الكلام عن وجود الله.

ثانياً: أن السؤال عن وجود الشر يسبقه سؤال اخر عن وجود الخير؛ وذلك لكون الخير هو الأصل والشر استثناء عارض، فإذا كان الله غير موجود فمن أين جاء هذا الخير؟ وبالتالي يمكننا أن نقول: كيف يكون الاستثناء دليل على عدم وجود الخالق، ولا يكون الاصل دليل على وجوده؟ وعليه لا يمكن أن نفهم المعنى الوجودي للشر (الاستثناء)، حتّى نقر بالمعنى الوجودي للخير (الأصل). وإذا تحركنا من الخير لفهم الشر حينها سنجد الشر منسجماً مع فلسفة الخير الحاكمة على الوجود.

وفي الخلاصة أن الترتيب المنطقي لتكوين وعي بفلسفة الوجود يبدأ بفهم الشر في إطار الخير، ومن ثم فهم كل ذلك في إطار العدالة بوصفها الخيط الناظم لفلسفة الخلق والإيجاد. 

ثالثاً: حتى نفهم العدالة لابد أن نفهم معنى الحياة الدنيا، لأن معنى العدالة يتحدد وفقاً لمعنى الحياة، فلو أوجد الله الحياة بوصفها الجنة الأبدية للإنسان، ثم وعده ألا يصيبه فيها مكروه، كما وعد آدم بقوله: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ) (119 طه). حينها نفهم العدالة بالشكل الذي يتناقض مع وجود الشرور. أما إذا كانت الحياة وجدت أساساً كدار للابتلاء والامتحان، ومن ثم الإنسان يختار بعمله الجنة التي يريد أن يكون فيها، كما قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (2 العنكبوت). حينها لا نفهم العدالة إلا في إطار الفتن والمصاعب التي تؤهل الإنسان لدخول الجنة، وعندها تصبح الشرور مجموعة من الاختبارات والامتحانات التي تتدرج بالإنسان في مراتب الكمال.

والتفاوت الذي نجده في طبيعة هذه الابتلاءات لا يتعارض مع العدالة؛ لأن كل متسابق في ساحة الحياة يتسابق ضمن حدود الامكانات المتاحة له، ومثال على ذلك التنافس الذي يحدث بين الرياضيين في الأولمبيات، فهناك رياضات مختلفة ولكل نوع اختبارات خاصة، ومع ذلك تمنح الجوائز والميداليات نفسها لكل المتسابقين من مختلفة الأنشطة الرياضية، وهكذا حال الدنيا فالفقير والغني، والمريض والمعافى وغير ذلك، فلكل واحد منهم امتحانه الذي يناسب وضعه ثم تكون الجنة جزاء للجميع.

والذي يعتقد أن الشرور تتعارض مع العدالة ينطلق من تصور خاطئ لفلسفة الحياة، أما الذين يؤمنون بالله يؤمنون بأنه أوجد الدنيا من أجل أن يتأهل الإنسان للحياة الأبدية. 

رابعاً: أن الله منح الإنسان قدرات خاصة تمكنه من تجنب الكثير من مخاطر الحياة، وعظمة الإنسان في كونه قادراً على التحدي والكفاح من اجل بناء حياة سعيدة، وتقصير الإنسان عن القيام بهذا الدور يعود عليه بالمشاكل والشرور، وبالتالي ما يصيب الإنسان من خير أو شر هو بما عملته يداه، ولا اقصد الحروب المدمرة التي يصنعها الإنسان بنفسه، وإنما اقصد الظواهر الطبيعية التي قد يكون الإنسان هو المتسبب فيها مثل ظاهرة الاحتباس الحراري؛ بل حتى الظواهر الطبيعية الخارجة عن إرادة الإنسان يمكن للإنسان تفاديها بما مكنه الله من قدرات، وهذا ما يقوم به العلم الحديث من رصد الزلازل والبراكين والعواصف قبل حدوثها، واهمال الإنسان لهذه القدرات وعدم تطويرها هو الذي يجعله المسؤول عن ما يصيبه.

وبالتالي عدالة الله نراها واضحة في كل تفصيل من تفاصيل الوجود، فقد اوجده الله بالشكل الذي يناسب الإنسان وسخر له كل الشيء حتى يكون طائعاً بين يديه، كما خص الإنسان بإمكانات مهولة تمكنه من الاستفادة من كل جزء من أجزاء الوجود. فإذا أهمل الإنسان تلك القدرات وإذا تحكمت فيه المطامع والشهوات والانانيات فعندها لا يلوم غير نفسه. 

  

[1]-مشكلة الشر ووجود الله، دكتور سامي عامري، http://www.aricr.org/ar/evil 

[2]- الاخلاق والإلحاد، أسماعيل عرفة، http://midan.aljazeera.net/intellect/philosophy/2017/9/19 

[3] - نشأة الإنسان والإنتقاء الجنسي، تشارلس داروين، ترجمة مجدي محمود الملجي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط الأولى 2005، ج3 ص 227