هل الإله موجود شخصاني؟

(1)يقول الملحدون: ربّما كان هنالك إله لهذا الكون، لكنّه ليس شخصانيّاً، وهذه فكرة طرحها ألبرت أينشتاين فقد قال: لا شكّ أنّ من خلق الكون لم يكن يلعب بالنرد، أي أنّ ما نراه ليس صدفة، إذ إنّ كلّ شيء في مكانه، لكن ليس هنالك إله محدّد.

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

من الاشتباهات التي وقع فيها الإلحاد هو اعتقاده إن الإله الذي يؤمن به المؤمنين هو إله شخصاني، أي أن الإنسان الكامل هو الإله المتخيل عند المؤمنين، وحاول الإلحاد التأكيد على هذا المعنى من خلال التأكيد على طبيعة الإدراك عند الإنسان، تلك الطبيعة التي تقارب الحقائق البعيدة عن طريق مماثلتها لواقع الإنسان، فالإنسان يتعرف على ما هو غائب عنه عن طريق مقايسته ومشابهته بما يناسبه من المدركات الحسية، وعليه تولدت فكرة الإله - بحسب هذا التصور - من إجابة الإنسان على سؤال من أوجد هذا الكون؟ فبحسب الطبيعة المعرفية عند الإنسان قام بافتراض وجود شخص خارق هو الذي اوجد الكون، فأمن بإله يتناسب مع حدود الإدراك الإنساني، وعليه يصبح الله في تصور المؤمن وبحسب هذا الوصف هو الإنسان الكامل والمعجز والمطلق، كما يقول أحدهم: (بما أن الكائن الشخصاني "الإنسان" يخلق نظاما "آلة بناء معماري ..الخ".. إذاً فكل نظام (كالكون مثلا) لابد أن ينتجه كائن شخصاني" وهو ما يدعى بالإله الذي هو كملك بشري خارق عند الكثرة من المتدينين التقليديين").

ويبدو أن هذه الشبهة استحكمت في ظل الغرب المسيحي الذي تعامل مع السيد المسيح على إنه إله ورب، وعليه فإن كل كلمات الفلاسفة والعلماء الغربيين عن الله تنطلق من هذا التصور الكنسي لله وهو الإله الشخصاني.

 ونحن بدورنا نؤكد على وجود هذه الإشكالية بشكل عام بين الأديان، بل حتى في الدائرة الإسلامية هناك من وقع في هذا النوع من الاعتقاد، فبعض المذاهب روجت للإيمان بإله شخصي في صورة شاب امرد وله من الصفات الجسمية كما للإنسان، كل ذلك يؤكد على أن الإنسان قد انحرف عن الطريق المؤصل للمعرفة الحقة بالله، حتى أصبحت الأديان السماوية كل واحد منها يدعو إلى إله يختلف عن الأخر، كل ذلك بسبب التشبيه والمقايسة بين الله وبين الإنسان، ويبد أن ذلك ما دفع ماركس للقول: (إن الله لم يخلق الإنسان ولكن الإنسان هو الذي خلق الله).

ولقد قدم أئمة اهل البيت (عليهم السلام) معرفة تقوم على إن الفطرة هي أساس معرفة الله تعالى، أي أن الله فطر العباد على معرفته، وهي معرفة بسيطة تخرج الله من الحدين: حد التعطيل والتشبيه، ولا تستغني تلك المعرفة عن تذكير المذكرين وتنبيه العارفين، وهذه المعرفة فعلٌ رباني ليس للعباد صنع فيها، فالله أقدس من أن تنالَه العقول أو تدركَه خطرات الظنون، فليس للإنسان آلة ينال بها المعرفة؛ فإن كان العقل هو الطريق إلى معرفته فحتماً يتصوره، وإن كانت النفس فحتماً تتوهمه، في حين أن معرفة الله تقتضى تنزيهه من أن يكون متصوَّراً أو متوهَّماً. ومن هنا نرفض أية محاولة لمعرفة الله عن طريق التصورات العقلية، وذلك لأن العقل مخلوق محدود، فكيف له أن يحيط علماً بالخالق، كما أن العقل لا يعرف شيئاً إلا إذا كان ذلك الشيء ضمن دائرة التصور، والله لا يُتصوَّر حتى بالوجوه والعناوين، هذا مضافاً إلى أن العقل يتحرك ضمن دائرة الشهود، أمّا ما هو غيب فلا يناله العقل إلا بالقياس والتشبيه، والله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، ولا يبقى هناك طريق إلى معرفته إلا بتعريف تعالى نفسه، وهذا ما أكدت عليه روايات أهل البيت عليهم السلام.

قال: قلت لأبي عبد الله (ع): هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال: لا، قلت: فهل كُلِّفوا المعرفة؟ قال: لا، إن على الله البيان، لا يكلف الله العباد إلا وسعها، ولا يكلف نفساً إلا ما آتاها) ، وقد أكد الإمام عليه السلام إلى أن تكليفهم بالمعرفة تكليف بالمحال، لقوله تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها﴾( )، و﴿ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها﴾( ). 

عن الصادق (عليه السلام) قال: (ليس لله على الخلق أن يعرفوا قبل أن يُعرِّفَهم، وللخلق على الله أن يُعرِّفَهم، ولله على الخلق إذا عرَّفهم أن يَقبَلوا) .

 وفي المحصلة إذا كانت المعرفة فطرية، وهي فعل الله وليس للعباد فيها صنع، لا يمكن قبول أي معرفة متصورة أو متوهمة لله تعالى، وعليه فإن الإله الشخصاني إله متوهم لا يعبر عن الله خالق السماوات والأرض، يقول الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليهما السلام) كما جاء في بحار الانوار: (كلّما ميّزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم) 

 
[1] - الكافي – الكليني ج1 ص 163
[2] - سورة البقرة/286.
[3] - سورة الطلاق/7.