ملحد يقول "فايروس كورونا قد تمكن من اسقاط هيبة الكعبة ومرقد الحسين وجعلها تغلق في ثواني"

أمجد خوري/: كل هذه المساجد المعابد الاضرحة القبور..الملبوخة بالذهب ورجال الدين مع سياراتهم الفخمة لاقيمة لهم ولاتأثير امام ابسط كارثة قد اصابت البشرية خيبر الخبير/: صرفنا على بناءها مليارات الدولارات وأضعنا من وقتنا ايام واسابيع سنوياً بممارسة الطقوس وطبخ التمن والقيمة والهريسة اعتقاداً منا ان هذه الاضرحة ستحمينا من الكوارث والاوبئة, اليوم أُغلقت جميعها بأمر من الاطباء والعلماء الحقيقيين، وضاعت كل تلك الجهود والاموال التي صُرفت عليها ببناءها وتذهيبها وتغليفها بأجود واغلى وأندر انواع المرمر والرخام في العالم, ليتنا قمنا ببناء المستشفيات وا حسرتاه. رافد العراقي/: فايروس كورونا هدم المعبد فوق رؤوس كل رجالات الدين، حيث أثبت أن المرض لا يقدر عليه سوى العلم وليس الدعاء، العمل وليس التوكل، البحث والتجربة وليس 7 بلحات والاعجاز العددي. نهى المرعبي/: كورونا فايروس اصغر من النملة بمليون مرة وقد تمكن من اسقاط هيبة الكعبة ومرقد الحسين وجعلها تغلق في ثواني يبدوا لي ان المسلمين قد فقدوا ثقتهم بالله وعرفوا ان صلاتهم ودعائهم في مساجد مطلية بالذهب لن تجدي نفعاً امام هذا الفيروس الصغير.

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : 

التفكير الإلحادي بطبعه رهين نفسية مأزومة تعمل على تحوير كل شيء في الاتجاه المعادي للأديان، فالإنسان الذي تحركه الأحقاد يفتقد إلى ابسط الشروط الموضوعية للحوار والنقاش، ففي الوقت الذي يعمل فيه عقلاء البشرية على التقليل من المخاطر التي تسببها جائحة كورونا نجد العقلية الإلحادية توظف كل جهودها في حرب أخرى لا علاقة لها بهذه الجائحة، الأمر الذي يؤكد على أن الملحد قد تمت برمجته للسير في اتجاه واحد حتى لو اخرجه ذلك الاتجاه من دائرة الهم الإنساني، فمن يستثمر في الازمات من اجل اجنده خاصة لا يختلف كثيراً عن الفيروسات التي تستغل الخلايا الإنسانية من أجل التكاثر والانتشار. 

وللإجابة على تلك الإشكالات لابد من العمل على تفكيكها وتحليلها من اجل الوقوف على طبيعة التفكير الهزلي الذي يهيمن على أصحابها، فمن الخطأ التسليم بمنطق السائل في الوقت الذي لا يحترم فيه ابسط قواعد التفكير المنطقي. ومن هنا سوف نورد بعض النقاط التي تكشف عما وقعوا فيه من مغالطات.

أولاً: لم توضح تلك الإشكالات طبيعة العلاقة بين الشعائر الدينية وبين ما تعانيه البشرية من جائحة كورونا، والإهمال المتعمد لذلك يكشف عن هشاشة المنطق الذي صاغ تلك الأسئلة، فالقول ماذا صنعت المساجد وماذا فعل رجال الدين في قبال جائحة كورونا؟ شبيه بالقول: ماذا صنعت المجمعات التجارية وماذا فعل التجار في قبال كورونا؟ فإذا كانت المجمعات التجارية قد بنيت لوظيفة أخرى لا علاقة لها بالفيروسات، وإذا كانت وظيفة التجار ليست لها علاقة بمعالجة المرضى؛ فكذلك الحال بالنسبة للمساجد ورجال الدين.. وعليه فإن الإجابة على الشكال لا تتم إلا بعد الاعتراف به أولاً وهذا ما لم يكن واضحاً لعدم وجود علاقة بين المقدمة والنتيجة كشرط بديهي للتفكير المنطقي.

ثانياً: الإيمان بالله والاعتقاد بوجود سلطة غيبية لا يتنافى مع وجود بلاء وكوارث طبيعية أو غير طبيعية، بل على العكس من ذلك فقد اكدت الأديان على فلسفة الابتلاء وجعلت ذلك جزءاً من الاعتقاد الديني، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (155 البقرة)، وبالتالي الاعتراف بهذه الابتلاءات والصبر عليها جزء اصيل من اعتقاد الإنسان المؤمن، فكيف يأتي بعد ذلك من يقول لماذا لم يمنع الدين من الكوارث والابتلاءات؟ أو لماذا لم تنفعكم مساجدكم ومقاماتكم المقدسة من هذه الجائحة؟ ومن الواضح أنه إشكال في غير موضعه طالما فلسفة الأديان قائمة على أن الدنيا دار للابتلاء والامتحان، وعليه فإن جميع تلك الأسئلة قد خرقت اساسيات المنطق النقدي، الذي يعتمد أما على اثبات التناقض في المدعى أو اثبات حقيقة أخرى تشكل نقيضاً للمدعى كما هو معروف (بقياس الخلف)، وهذا ما تم اهماله في تلك الأسئلة، ولكي يتضح ذلك نقول: أن الاعتراضات التي وجهتها تلك الأسئلة تصبح صحيحة إذا كان وجود المساجد والاضرحة ورجال الدين قائم على مدعى أن وجودها مانعاً من الكوارث والابتلاءات، فيقال حينها: بما أنكم لم تمنعوا من وقوع هذه الجائحة فوجودكم غير مبرر، وهذا خلاف ما تدعيه الأديان التي تؤكد على ضرورة وقوع ذلك بوصفه جزء من فلسفة الحياة في الدنيا، قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (2 العنكبوت). 

ثالثاً: اقامة الدليل على مقدمات مصطنعة ووهمية يؤدي إلى نتائج خرافية لا علاقة لها بالواقع، ومن هنا لا يمكن مناقشة النتائج قبل التحقق من مقدماتها، فالقول إن المساجد وأماكن العبادة شيدت من اجل حمايتنا من الكوارث قول باطل لا قائل به، الامر الذي يكشف عن فهم مشوه يعشعش في ذهن السائل وحده، ومع أن هناك أسباب كثيرة لوجود المساجد ومراكز العبادة إلا ان ليس هناك حاجة لسردها وبيانها طالما يكفينا لإبطال الإشكال نفي ان يكون من بينها حمايتنا من الكوارث، وفي الخلاصة أن صاحب الإشكال اعتمد على مقدمة مصطنعة وهو نوع من الجدل الذي يقوم على عدم الانصاف وتعمد تشويه الحقائق. 

رابعاً: الدين والعلم لكل واحد منها مساره الخاص، وتعمد الخلط بينهما يكشف عن الجهل بدورهما، ويبدو أن حوجه الإنسان لكيليهما أوجد نوعاً من التزاحم في اذهان البعض، مع أن لكل واحد منها دوره الخاص في تلبية تطلعات الإنسان الروحية والمادية، فبالمقدار الذي لا يستغني فيه الإنسان عن الروح لصالح الجسد بذات المقدار لا يمكنه الاستغناء عن الدين لصالح العلوم الطبيعية، فالاهتمام بالجانب المادي للإنسان ضروري ولكن بشرط أن لا يكون على حساب الجانب الروحي لديه، فكما يشعر الإنسان بحاجة مادية يشعر كذلك بحاجة روحية، والافراط والتفريط في أي واحد منهما قد يحققان مكسباً في جهة وخسارة في جهة أخرى. وبذلك نفهم أن الدين لا يمكن أن يكون معوقاً لمسيرة العلوم طالما يهتم بقضايا أخرى غير التي يهتم بها العلم، ومع ذلك نجد العقلية الإلحادية تتعمد الخلط من اجل التشويش على الديان، كقول المعترض: (فايروس كورونا هدم المعبد فوق رؤوس كل رجالات الدين، حيث أثبت أن المرض لا يقدر عليه سوى العلم وليس الدعاء، العمل وليس التوكل..) فليس هناك سقف تهدم إلا تلك العقول الخاوية التي لا تعرف غير الكذب والتجني، فمتى كانت المعابد تؤدي دور المستشفيات؟ ومتى قال رجال الدين بان الدعاء هو بديل عن الادوية والعلاجات؟ ومتى كانت الأديان في معتقدات المؤمنين مضادات للفيروسات؟

خامساً: ارتكزت بعض الإشكالات على وجود تعارض بين بناء المساجد وبين بناء المستشفيات، في حين أن كل واحدة لها مهمتها الاجتماعية ولا تزاحم بين وجودهما معاً، وهذا النوع من الأسلوب يعتمد على المخادعة حيث يعمل على توجيه غضب الناس التي تعاني من نقص المستشفيات للغضب على مراكز العبادة بحجة انها المتسببة في ذلك، وهو نوع من التفكير المتحيز والعدائي تحركه عقليات خبيثة تتجاهل عمداً الأسباب الحقيقية، وإلا لماذا لا تكن نوادي القمار ومراكز الدعارة وغيرها من مصادر الصرف البذخي هي المسؤولة عن اهمال القطاع الصحي؟ وبالتالي تركيز الساهم على الدين يكشف عن نفسية لها عداء خاص وليس له علاقة بالشفقة على الإنسان. 

سادساً: اعتمدت الإشكالات السابقة في نفيها أهمية العبادة والدعاء على انتقاد حال المساجد المشيدة على أفخم طراز والمطلية بالذهب والفضة، ومن الواضح ان هذه النغمة يتم عزفها على وتر الاطماع والأحقاد من اجل تحريك العواطف وتشتيت الانتباه بعيداً عن أصل المشكلة، فإذا كان دعوى المعترض هو عدم جدوى العبادة والتضرع لله تعالى فما الذي يهم أن كانت تلك العبادة في بيت من ذهب أو من طين؟ فحقيقة النزاع بيننا وبين الإلحاد ليس في شكل المكان الذي تتم فيه العبادة وإنما الإشكال في العبادة نفسها، وعليه فإن كل ما يقال في هذا الشأن من قبل الملحدين ليس إلا تهريج، فالحرص على مصالح الناس والاهتمام بالتوزيع العادل للثروات ليس مختصراً على ما يصرف في مراكز العبادة، فسكوت الإلحاد عن كل الأموال التي تصرف وبشكل بذخي على نوادي القمار ودور الدعارة وملاعب الكرة وغير ذلك يكشف عن مدى استحقارهم للإنسان وعدم اهتمامهم بمصالحه، وما تعانيه البشرية اليوم من جائحة وتفشي للأمراض يكشف عن طغيان النظام المادي المتحكم في العالم وكيف انه ترك الإنسان يموت بسبب نقص المستلزمات الطبية في الوقت الذي يصرف بغير حساب على الملاهي أو على الحروب العبثية. 

وعليه فإن جائحة كورونا كشفت عن عجز البشرية ومدى فقرها لله تعالى، فحالة الغرور التي اجتاحت الحضارة المادية وكفرها بقيم الحق والفضيلة استوجب تدخل غيبي ليعود الإنسان إلى رشده، وهنا تبرز أهمية الدين الذي يعمل على بناء الإنسان روحياً واخلاقياً، وهو ما تفتقر إليه هذه الحضارة التي عظمت المادة على حساب المعنى والجسد على حساب الروح.