من خالق العدم؟

من خالق العدم؟ وإذا كان هناك وجود مطلق وعدم بحت فهل هذا كمبدئ الاثنينية (يعني اله شر واله خير) لأن الظلم والشر منسوب للعدم؟واذا كان الله عز وجل خالق العدم أفلا تُنسب صفات العدم ونواتجه (كالظلم) لخالقه؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

العدمُ ليس شيئاً حتى يحتاجَ إلى خلق وإيجاد، بل هو محضُ الهلاك والبطلان كما يعبّر السيد الطباطبائي في نهاية الحكمة، حيث يقول: (لا تمايزَ في العدم، إذ التمايز بين شيئين إمّا بتمام الذات كالنوعين تحت مقولتين، أو ببعضِ الذات كالنوعين تحت مقولة واحدة، أو بما يعرض الذات كالفردين من نوع، ولا ذات للعدم. نعم، ربما يضاف العدم إلى الوجود، فيحصلُ له حظ من الوجود ويتبعه نوع من التمايز، كعدم البصر الذي هو العمى، والمتميز من عدم السمع الذي هو الصمم، وكعدم زيد وعدم عمرو المتميز أحدهما من الآخر) (نهاية الحكمة ص 28)، وقد فرّق السيد الطباطبائي بين العدم المطلق الذي لا يتصوّر حتى ذهنياً، وبين العدم المضاف الذي يمكن تصوّره بعد أن يضاف إلى وجود مثل عدم البصر أو عدم السمع أو غير ذلك، ومن هنا لا يمكنُ أن نفهم العدم البحت الذي يتحدّثُ عنه السائل؛ إذ كيف نفهم شيئاً لا يمكننا تصوّره؟ فعندما يقول من خلق العدم؟ فهو قد تصوّر للعدم وجوداً ثم سأل عن الذي أوجده؟ في حين أنّ العدم محضُ الهلاك والبطلان واللا شيئية وهو أمر خارجٌ عن الإدراك والتصور، وعليه السؤالُ غير صحيح ولا يستقيم إطلاقاً. والخطأ الآخرُ الذي وقع فيه السائل هو أنهُ تصوّر أنّ الوجودَ يوازيه العدم فمتى كان هناك وجودٌ كان معه عدم، فرتّب على ذلك أنّ الوجود المطلق لابدّ أن يكون معه عدمٌ مطلق، وبالتالي هناك مبدأين اثنين وهما الوجود والعدم، حيث قال: (وإذا كان هناك وجودٌ مطلق وعدم بحت..) فخلط بين العدم البحت وبين العدم المضاف، فتصوّر أنّ العدم الذي يقع في قبال الوجود هو العدم البحت، في حين ذاك هو العدمُ المضاف أي عدم الوجود، مثل قولنا إذا كان الكونُ موجوداً فهو غير معدوم، وعليه لا وجودَ مستقلّ للعدم لأنه محضُ الهلاك والبطلان كما أشرنا، ولذلك قيل إنّ العدم المطلق لا يخبر عنه، ناهيك أن يقال عنه أنّه مبدأ لشيء أخر؟ أما قوله (لأنّ الظلم والشرّ منسوب للعدم) إرتكازاً على بعض النظريات الفلسفية التي تجعل الشرّ أمراً عدمياً، وبعيداً عن قبولنا لهذه النظرية في تفسير الشرور أو عدم قبولنا لها، إلا أنها لا تؤسسُ لما يذهبُ إليه السائل؛ لأنّ العدم المقصود هو العدم المضاف وليس العدم البحت، أي أنّ الشرّ هو عدمُ وجود شيء ما، مثلاً المرضُ شرٌّ لأنه عدمُ وجودِ الصّحة، والموت عدم الحياة، والفقرُ عدم الغناء وهكذا فإنّ كلّ شرّ هو بسبب عدم الكمال. وفي المحصلة العدمُ المطلق أو العدم البحت أمرٌ خارجٌ عن إطار التصور والمعرفة؛ لأنّهُ ليس له ذاتٌ تقعُ عليها الصفة فيُسأل عنها، وليست له حقيقة تميزه عن غيره فيُخبر عن حاله، وعليه لا يصلح أن يكون علة أو جزءَ علة لغيره، أمّا العدم المضاف فيتمّ تصوّره من خلال نفي الوجود، بمعنى أنّ وجوده الذهني وجودٌ إعتباري أطلق عليه تجوّزاً بإعتبار الوجود وليس بإعتبار العدم.