ماهو موقف الشيعة من المصلحين التقدميين "الاصلاح التقدمي"وما هي الطريق والسبيل لسلوك الإنسان الأمامي الاثنا عشري تجاه ذلك .؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله

الإسلامُ التقدميّ أو التجديد الدينيّ أو غير ذلك من المصطلحات تكتسبُ وجودها من خلال التأكيد على وجود إسلام آخرَ رجعيّ وماضوي، ممّا يعني أنّ هناك تصوّراً يقوم على أنّ الإسلام يجب أن يحافظ على المعاني التي إكتسبها في الماضي، وتصوّراً آخر يدعو إلى تجديد فهمه بحسب العصر واشتراطات الراهن، وإذا أمعنا النظرَ بين هذين الاتجاهين نجد أنّ الإشكالية تعود إلى محاولة فهم الإسلام ضمن مركزية زمنية سواء كانت هذه المركزية في الماضي أو الحاضر، في حين أنّ الإسلام في معانيه ومراداته يجب أن لا يكون خاضعاً للزمن وإنما الزمن والواقع يجب أن يكون خاضعاً له، فالقرآن خطابُ الله للإنسان في كلّ زمان ومكان فلا يمكن تغيير معانيه وتبديلها بتبدل الزمان والمكان، وعليه فإنّ النزاع بين التجديديينَ والتقليديين هو نزاع خارج دائرة النصّ ولا يتحمّل القرآن مسؤوليته؛ لكونه نصاً محايداً لا ينتسبُ إلى زمان أو مكان محدّد حتى يكون النزاع بين أن يدور حول الماضي أو الحاضر، فالقرآن كما الشمس يشرق بضيائه على الواقع دون أن يكون الزمن مركزاً يحال إليه فهم النصّ، وعليه يجب فهم متغيرات الزمان بالقرآن وليس القرآن هو الذي يفهم بتلك المتغيرات.

فالذين تشبثوا بمركزية التاريخ تصوّروا الإسلام رؤى محدودة، قد تجسّدت في شكل صور مثالية لسلف الأمة، فابتعدوا بذلك عن الإسلام في الوقت الذي ابتعدوا فيه عن الواقع الذي يعيشون فيه. أمّا الذين تشبثوا بالحاضر واخضعوا الإسلام لثقافة الواقع، نجدهم قد رفضوا المعاني المطلقة وتمرّدوا على ثوابت الإسلام ومرتكزاته، متمسّكين بقيم جديدة تفرضها ضرورة الحياة العصرية، في حالة من الاستسلام والتبعية المطلقة، ففي حين اقتربوا من الواقع إبتعدوا عن قيم الإسلام ومبادئه الضرورية.

ولتقديم قراءة تجعل الإسلام أكثر حضوراً وهيمنة، لابدّ من التخلص من مركزية الماضي والحاضر، والبحث عن الإسلام في دلالاته القيمية وفي معانيه المطلقة، فصلاحية الإسلام لكلّ زمانٍ لا يمكن فهمها إلا من خلال نفس القيم التي جعلت القرآن صالحاً لمخاطبة جميع البشر وفي كلّ الأزمان، وهذا لا يمكن تحققه إلا إذا كانت نفس القيم القرآنية هي ذاتها القيم التي فطر العقل عليها، ولذا كان القرآنُ كتاب ذكر وتذكير للإنسان وليس مجرّد معلومات يمكن أن تتأثر بمعادلات الزمان والمكان، فقد روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) إنّه قال: (إنَّ للّه ِ عَلَى النّاسِ حُجَّتَينِ: حُجَّةً ظاهِرَةً، وحُجَّةً باطِنَةً، فأمّا الظّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ والأنبِياءُ والأئمَّةُ عليهم السلام، وأمّا الباطِنَةُ فَالعُقولُ)( )، وقال (صلى الله عليه وآله): (العقل رسولٌ باطن، والرسول عقل ظاهر)( )، وهذا الوصف الدقيق لعلاقة الوحي والعقل في حقل المعرفة الإسلامية يؤكّد على كون الإسلام عابراً للأزمان، فإذا كان العقل واحد وجازم وغير قابل للتغير والتخصيص فإنّ القرآن كذلك، وإذا كان العقلُ هو الذي يحكم على المتغير ويضبط حركة الواقع فكذلك هو القرآن، وبالتالي نرفض كلّ محاولةٍ عقلية في المعرفة الإسلامية خارجة عن إطار الوحي، كما نرفض كلّ محاولة ترتكز على الوحي مع اهمال العقل، وهكذا يمكننا القول بأنّ هناك علاقة جدلية بين العقل والوحي، لا يستقيم لأيّ واحد منهما معنىً من دون الآخر، وحتى تكتملَ هذه الصورة لابدّ من النظر الى الوحي بوصفه حقيقة فوق الزمان والمكان؛ لأنّ اللحظة التي يرتبط فيها الوحي بزمان أو مكان هي ذاتها اللحظة التي يفترق فيها العقل عن الوحي.

ومن هنا فإنّ وصف الإسلام بالتقدميّ أو الماضويّ هو وصفٌ لواقع التيارات الإسلامية وليس وصفاً للإسلام بما هو نصوص مقدسة سواء كانت قرآناً أو رواياتِ المعصومين (عليهم السلام) ولذا لا يمكن التسليم للمفهوم التقليديّ الذي حصـر الإسلام في فهم السلف، كما لا يمكن القبول بالفهم الذي يتنكّر حتى للثوابت الضرورية للإسلام، فلا ريبَ أنّ السلفية عقبة دون بناء الحضارة لابدّ من تجاوزها، ولا ريبَ أيضاً أنّ التطرّف اليساري هو الآخر عقبة يشكلها الإنهزاميون الذين انبهروا بالغرب فراحوا ينظرون إلى واقعهم وكيانهم بعيون مستعارة، فرفضوا كلّ أصيل لأنه في زعمهم السبب المباشر لتخلفنا، فجرّدوا الإسلام من روحه الناصعة ومبادئه الفطرية الصائبة، وقد بلغ الجهد ببعضهم حداً أنهم طالبوا المسلمين  بتبني فكرة مناهضة للإسلام تماماً وباسم الإسلام ذاته، وقالوا لا يعدو الإسلام أن يكون انتماءاً قومياً أو قبلياً أو عائلياً، وهو بذلك يجب أن ينسجم مع كلّ جديد يقتضيهِ اتجاه الحضارة الحديثة، فجرّدوا الإسلام عن أهمّ ما فيه وهي الروح المبدعة المتحكمة في متغيرات الزمان. 

وفي المحصلة لا وجود لإسلام تقدميّ والآخر رجعي وإنما هناك مسلم يطلق على نفسه تقدميّ والآخر سلفي ماضوي، أمّا الإسلام فهو دعوةٌ للحياة بكلّ ما تتطلبه هذه الحياة من اشتراطاتٍ إلا أنها حياة قائمة على هدى الوحيّ وبصائر التوحيد، ولتحقيق ذلك نشير إلى مبدأين:

أولاً مبدأ الأصالة: ويعني تجريدَ الإسلام من كلّ المفاهيم المستمدة من الثقافات المنحرفة حتى يعود الدين كما هبط من الله سبحانه قيماً ومبادئ رائعة تحملُ الإنسان على كتف الحياة، ولا يمكن ذلك دون العودة إلى ذات النصوص الشرعية ومحاولةِ التسليم والتفاعل معها دون تحميل نفسياتنا المنهزمة عليها. 

ثانياً مبدأ الواقعية والانفتاح: ويعني التفاعل الموضوعيّ والفاعل مع ضرورات الحياة، ويتمّ ذلك بتجريد الحضارة الحديثة عن كلّ ما شابها من سلبيات الإنسان الأوروبي ونظراته الضيقة المحدودة، وذلك بدراستها في ضوء العقل وهدى القرآن دون تقليد منّا أو انغلاق عنها، ومن ثمّ الاعتماد على أصالتنا في بناء حضارةٍ إسلاميةٍ قويةٍ وسليمةٍ تضمن تكامل الإنسان الروحي والمادي.