هل الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي عقيدة عند الشيعة ، وهل يوجد مصاديق يفضل ذكرها؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله 

الإصلاحُ هو الغاية النهائية التي يطمحُ الإنسان إليها، وهو القيمة المحورية التي تدورُ حولها بقية القيم الكمالية، فالعلم قيمة لأنّ فيه الصلاح، والعدل مطلوب لأنّ به يتحقق الصلاح، والرحمة قيمة لأنّ بها يسود الصلاح، وهكذا كلّ القيم تتحرك في دائرة الصلاح، وبما أنّ الإصلاح نقيض الإفساد تعيّن على الإنسان أن يتحرك دائماً في اتجاه الإصلاح، وبذلك تتحقق سعادته في الدنيا والاخرة قال تعالى: (مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97). فالعمل الصالح الذي أكدت عليه معظم آيات القرآن يكشف عن الفلسفة العامة للإسلام وهو تحقيق الإصلاح في كلّ المجالات، بل لم يكتفِ القرآن بجعل الإصلاح والصلاح سبباً للحياة الطيبة في الدنيا فحسب وإنما جعلهُ أيضاً سبباً لنعيم الجنة، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِم ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ) (الشورى/ 22)، وبذلك يمكننا أن نقول إنّ هدف الإنسان في الحياة منحصرٌ في المحافظة على صلاح الأرض والحياة، قال تعالى: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) (الأعراف/ 56)، وكذلك الإصلاح هو هدف الأنبياء والرسل، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُم يَقُصُّونَ عَلَيْكُم آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلا هُم يَحْزَنُونَ) (الأعراف/ 35). وقال تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ المُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَن آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلا هُم يَحْزَنُونَ) (الأنعام/ 48). 

وقد بينت آيات القرآن صوراً متعددة للإصلاح تشملُ جميع أفعال العباد، حيث تبدأ من إصلاح النفس مروراً بإصلاح الأسرة والمجتمع وانتهاءً بإصلاح الأرض جميعها، وعليه لا يمكن استثناء الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والذي لا يفهم الإسلام بوصفه مشروعاً إصلاحياً في مجال السياسة والاقتصاد والمجتمع ففي فهمه للإسلام اشكال، فالإسلام ليس مجرّد شعائر وطقوس فارغة، كما أنه ليس تجربة فردية منعزلة عن محيطها الاجتماعي والسياسي، وإنما هو مشروعٌ إصلاحيٌ لجميع البشرية بما يحمله من قيم ومبادي وحِكم، ومع ذلك فإنّ الإصلاح والأمر به يصنف من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس من باب العقائد بحسب ما هو مشهور من تصنيف المسائل الإسلامية، فمع أنّ الصلاح ضرورة لا يستقيم الإسلام من دونه إلا أنه ليس من باب الاعتقاد، فالصلاة مثلاً ضرورة من ضرورات الدين مع ذلك لا تصنف في قسم العقائد، أمّا إذا كان المقصود من العقيدة هو المعنى العام الذي يستوعب ضرورات الدين وقيمهِ المركزية فحينها يمكننا أن نقول إنّ الإصلاح هو عقيدة ثابتة وراسخة في الفكر الإسلامي. 

وقد شهد التاريخ بأنّ مسيرة شيعة أهل البيت قائمةٌ على مناهضة الفساد السياسي والاجتماعي، ولذا كانوا يشكلون المعارضة لكلّ الأنظمة السياسية المتسلطة، وذكر لنا التاريخ عشرات من ثوراتهم المناهضة للظلم والإفساد، حتى باتت الثورات تسمى بالثورات العلوية، وما زال الشيعة يحملون راية الإمام الحسين (عليه السلام) الذي قام بثورته المباركة تحت شعار (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي)