قد يتحير الانسان في بعض الامور الابتلائيه فكيف يميز الفكرة وايهما من الضمير وايهما من الوساوس الشيطانية؟

السلام عليكم قد يتحير الانسان في بعض الامور الابتلائيه خصوصا المتعلقة بحقوق الاخرين فمرة يقول ذالك الشخص هو صاحب الحق ...ومرة يقول لا انا صاحب الحق ..... فكيف يميز الفكرة وايهما من الضمير وايهما من الوساوس الشيطانية والعياذ بالله....ودمتم سالمين ببركة صاحب الزمان عج

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله

حالةُ التّردّدِ في فكرةٍ مُعيّنةٍ وما ينتابُ النّفسَ مِن نزاعٍ داخليّ حولَ بعضِ الأمورِ يُعدُّ حالةً إيجابيّةً تدلُّ على أنَّ هُناكَ محكمةً خاصّةً داخلَ كيانِ الإنسانِ وفي عُمقِ وجدانِه، وما يُصطلحُ عليهِ بالضّميرِ هوَ ذلكَ الشّعورُ الذي يُمكّنُ الإنسانَ مِنَ المُراقبةِ الذّاتيّةِ على أفعالِه وتصرّفاتِه، ويبدو أنَّ إنسانيّةَ الإنسانِ وشعورَه بكرامتِه مِن أهمِّ العواملِ التي تجعلُ هذا الضّميرَ حيّاً وفاعِلاً، ولو عملَ الجميعُ بما يحكمُ بهِ الضّميرُ لتفادَتِ البشريّةُ الكثيرَ منَ النّزاعاتِ الإجتماعيّةِ، ولِذا كانَ منَ المُهمِّ جدّاً الإهتمامُ بهذهِ الحالةِ وتنميتِها لأنَّ إهمالَها والعملَ على إسكاتِها يُؤدّي في خاتمةِ المطافِ إلى موتِ الضّميرِ وتبلّدِ الشّعورِ؛ بَل قَد ينزلقُ الإنسانُ إلى مُستوىً يرى فيهِ الأمورَ دائِماً بمنظارِ مصالحِه الشّخصيّةِ، فتصبحُ نفسُه بمثابةِ الكعبةِ التي يُقدّسُها ويطوفُ حولَها ولا يرى شيئاً سِواها، وقَد حذّرَ القُرآنُ مِن هذا المُنزلَقِ الخطيرِ بقولِه: (أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهدِيهِ مِن بَعدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) فاللّحظةُ التي يُصادرُ فيها الإنسانُ نداءَ الضّميرِ وصوتَ العتابِ الدّاخليّ هيَ ذاتُها اللّحظةُ التي يُختَمُ فيها على سمعِه وقلبِه وبصرِه؛ لأنَّ هُناكَ علاقةً ضروريّةً بينَ إتّباعِ الهوى وبينَ عدمِ رؤيةِ الحقائقِ الموضوعيّةِ، فالإنسانُ إمّا أن يرى الواقعَ كما هوَ وإمّا يراهُ بالشّكلِ الذي يخدمُ مصالحَهُ الشّخصيّةَ، والضّميرُ هوَ الصّوتُ الدّاخليُّ الذي يُعارضُ هيمنةَ الهوى على رؤيةِ الإنسانِ، ومِن هُنا فإنَّ الضّميرَ بطبعِه مُخالفٌ لهوى النّفسِ ولِذا يحدثُ عندَ الإنسانِ هذا التّردّدُ والنّزاعُ، وقَد سمّى القُرآنُ هذهِ الحالةَ بالنّفسِ اللّوامةِ، أي النّفس التي تلومُ صاحبَها على بعضِ أفكارِه وأفعالِه، قالَ تعالى: (لا أقسمُ بيومِ القيامةِ ولا أقسمُ بالنّفسِ اللّوامةِ) أمّا إذا عملَ الإنسانُ على إسكاتِ ضميرِه وعدمِ الإعتناءِ بنداءِ الحقّ سيكونُ أسيراً لهوى النّفسِ وحينَها لن تأمُرَه إلّا بالسّوءِ، وقَد أشارَ القُرآنُ إلى ذلكَ بقولِه: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفسِي ۚ إِنَّ النَّفسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وقَد أكّدَتِ الآيةُ على أنّهُ لا يكادُ إنسانٌ يخلو مِن هذهِ النّفسِ الأمّارةِ إلّا بعضُ الإستثناءاتِ التي شملَها اللهُ برحمتِه، وعليهِ فإنَّ النّفسَ بطبيعتِها تميلُ إلى مصالحِها وتحقيقِ رغباتِها، إلّا أنّهُ معَ وجودِ هذا الميلِ الطّبيعيّ هُناكَ إرادةٌ خيّرةٌ في نفسِ الإنسانِ تعملُ على مقاومةِ هذا الميلِ وتنهى النّفسَ عنِ الهوى، قالَ تعالى: (وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى ۝ فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى). 

وبالنّسبةِ للسّؤالِ كيفَ يُميّزُ الإنسانُ بينَ الفكرةِ النّابعةِ منَ الضّميرِ والفكرةِ النّابعةِ مِن وسوسةِ الشّيطانِ، يتّضحُ ممّا تقدّمَ أنَّ الفكرةَ التي تكونُ على غيرِ هوى النّفسِ هيَ فكرةُ الضّميرِ، أمّا الفكرةُ التي تُعزّزُ هوى النّفسِ وتخدمُ مصالحَ الذّاتِ هيَ فكرةٌ أنانيّةٌ شيطانيّةٌ، وقَد أكّدَت رواياتُ أهلِ البيتِ ذلكَ بشكلٍ واضحٍ وجليّ، فقَد كانَ أبو عبدِ اللهِ (عليه السّلام) يقولُ: "لا تدَع النّفسَ وهواها، فإنَّ هواها في رداها، وتركُ النّفسِ وما تهوى أذاها، وكفُّ النّفسِ عمّا تهوى دواها" . وقالَ الإمامُ عليّ (عليه السّلام): "إقمعوا هذهِ النّفوسَ، فإنّها طلعةٌ إن تطيعوها تُزِغ بكُم إلى شرِّ غاية" . وعنِ الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام): "احذروا أهواءَكُم كما تحذرونَ أعداءَكُم، فليسَ شيءٌ أعدى للرّجالِ مِن إتّباعِ أهوائِهم، وحصائدِ ألسنتِهم" . وقالَ الإمامُ عليّ (عليه السّلام): "مخالفةُ الهوى شفاءُ العقلِ" . وعنهُ (عليه السّلام): "مَن خالفَ هواهُ أطاعَ العلمَ". وعنهُ (عليه السّلام): "حفظُ العقلِ بمُخالفةِ الهوى والعزوفِ عنِ الدّنيا". وعنهُ (عليهِ السّلام): "رأسُ الدّينِ مُخالفةُ الهوى".

أمّا الجانبُ الإجرائيّ الذي يُمكّنُ الإنسانَ منَ التّمييزِ بينَ الفكرةِ التي تُمثّلُ نداءَ الرّحمنِ والفكرة التي تُمثّلُ نداءَ الشّيطانِ وما يخطرُ في القلبِ مِن تردّدٍ، وهوَ بالنّظرِ إلى الفكرةِ بشكلٍ مُجرّدٍ ومِن ثمَّ مُحاكمتها بمقاييسَ موضوعيّةٍ بعيداً عَن تأثيراتِ النّفسِ وميولِها، فالمثالُ الذي ذكرَهُ السّائلُ، بأنّهُ تارةً يرى أنَّ الآخرَ صاحبُ الحقِّ وتارةً يرى نفسَهُ صاحبَ الحقِّ، ففي هذهِ الحالةِ يتمُّ النّظرُ للموضوعِ بشكلٍ مُحايدٍ ويسألُ نفسَه مجموعةً منَ الأسئلةِ، هَل أرى نفسي صاحبَ الحقّ لأنّي فقَط أُحبُّ أن أكونَ صاحبَ الحقّ أم هُناكَ شواهدُ وأدلّةٌ تُؤكّدُ بأنّي صاحبُ الحقّ؟ وإن كانَ هُناكَ أدلّةٌ، هَل إذا نظرَ مِن خلالِها الآخرونَ فإنّهم  سيرونَ الحقَّ معي أيضاً؟ وهكذا يقومُ بعمليّةِ النّقدِ الذّاتيّ وتجريدِ الفكرةِ حتّى تخلُصَ الفكرةُ مِن كُلِّ الشّوائبِ النّفسيّةِ والميولِ الذّاتيّةِ.. وفي الخاتمةِ إنَّ الإنسانَ على نفسِه بصيرةٌ فحتّى لو كابرَ وزعمَ أنّهُ صاحبُ الحقِّ هوَ يعلمُ بينَه وبينَ نفسِه أنّهُ ليسَ كذلكَ.