كيف لنا ان نميز اذا كان البلاء امتحانا او عقابا ؟

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فلسفةُ حياةِ الإنسانِ ووجودِه في الدّنيا قائمةٌ على وجودِ مُهمّةٍ يجبُ أن يسعى لتحقيقِها، وقد لخّصَ القُرآنُ هذهِ المُهمّةَ بالعبوديّةِ للهِ (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلّا ليعبدون) والعبادةُ هُنا غيرُ محصورةٍ في الشّعائرِ الدّينيّةِ والطّقوسِ العباديّةِ وإنّما تعني السّمةَ العامّةَ والصّبغةَ التي تصبغُ حياةَ الإنسانِ، وهذا يتحقّقُ عندَما تنسجمُ إرادةُ الإنسانِ معَ ما يريدهُ اللهُ فيكونُ مسارُ الإنسانِ وتحرّكُه دوماً في الإتّجاهِ الذي يجعلُه يتخلّقُ بأخلاقِ اللهِ تعالى، ويتجلّى ذلكَ مِن خلالِ مواقفِ الإنسانِ إتّجاهَ أحداثِ الحياة، بمعنى أن يكونَ مُتحكّماً في كلِّ سلوكيّاتِه بالشّكلِ الذي لا تكونُ مواقفُه مُتقلّبةً بتقلّبِ الظّروفِ، بَل يصبغُ كُلَّ حركاتِه وسكناتِه بالقيمِ والمبادئ السّاميةِ التي يستمدُّها مِن معرفتِه باللهِ وإيمانِه بما في أسماءِ اللهِ الحُسنى مِن كمالٍ، وعليهِ ضمنَ هذهِ الفلسفةِ العامّة وضمنَ المسؤوليّةِ التي تحمّلَها الإنسانُ يُصبحُ منَ الطّبيعي أن لا تسيرَ أحداثُ الحياةِ على وتيرةٍ واحدةٍ، وإنّما يجبُ أن تختلفَ وتتباينَ حتّى يختبرَ الإنسانُ إرادتَه في مواقفِ الخيرِ والشّرّ أو في المواقفِ التي تنسجمُ أو تتعارضُ معَ هواه، قالَ تعالى: (الم *أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ* وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ) وبالتّالي يُبتلى الإنسانُ بالسّرّاءِ والضّرّاءِ، والشّدّةِ والرّخاءِ، والصّحّةِ والمرضِ، والغِنى والفقرِ، والشّهواتِ والشّبهاتِ، قالَ تعالى: (كُلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ) وبذلكَ يتميّزُ الخبيثُ عنِ الطّيّب، والصّادقِ عن الكاذب، والمؤمنِ عن المُنافقِ، وبالتّالي مَن كانَت إرادتُه في طولِ إرادةِ اللهِ ومَن كانَت إرادتُه في عرضِ إرادةِ اللهِ تعالى.  

ومنَ المُهمِّ الإشارةُ إلى أنَّ أحداثَ الحياةِ ذاتُ طبيعةٍ واحدةٍ، بمعنى أنَّ الحدثَ بما هوَ حدثٌ واحدٌ سواءٌ تعرّضَ لهُ مؤمنٌ أو كافرٌ، فالفقرُ أو المرضُ مثلاً هوَ ذاتُه الذي يصيبُ المؤمنَ والكافرَ، فلا وجودَ لفقرٍ أو مرضٍ خاصٍّ بالكافرِ وآخرُ خاصٍّ بالمؤمنِ، وإنّما حقيقةُ الإختلافِ تعودُ إلى موقفِ كلِّ واحدٍ منهُما وكيفيّةِ التّعاملِ معهُما، فالمؤمنُ يتعاملُ معهُ على أنّه إبتلاءٌ وامتحانٌ يكشفُ عن صدقَ إنتمائهِ للهِ تعالى، فيتلقّاهُ بالصّمودِ والصّبرِ ولا يدعُه يؤثّرُ في عزيمتِه ومواقفِه المبدئيّةِ، فقَد جاءَ في الحديثِ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) قالَ: (عجبًا لأمرِ المؤمنِ.. إنَّ أمرَهُ كلُّه خيرٌ، إن أصابَه خيرٌ إطمئنَّ وفرحَ فكانَ خيرًا له، وإن أصابَه شرٌّ حمدَ وصبرَ فكانَ خيرًا له)، أمّا الكافرُ أو الذي ينطلقُ في الحياةِ مِن غيرِ بصيرةِ الإيمانِ سوفَ لن يراهُ إلّا عقاباً أفسدَ عليهِ حياتَه فيتلقّاهُ بالضّجرِ والجزعِ فيفشلُ حينَها في الإمتحانِ، قالَ تعالى: (وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيهِم صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ) 

وفي المُحصّلةِ، البلاءُ يصيبُ الإنسانَ بوصفِه مخلوقاً له رسالةٍ، وتقلّباتُ الحياةِ وما تحملُ مِن مُتغيّراتٍ تُصيبُ الجميعَ، والإختلافُ بينَ البشرِ في طريقةِ التّعاملِ معَ هذهِ التّقلّباتِ، فينظرُ لها المؤمنُ بوصفِها إختباراً يمتحنُ قُدراتِه على المُضيّ قُدُماً في طريقِ الله، بينَما لا يفهمُ الكافرُ فلسفةَ ذلكَ الإبتلاءِ ولا يرى منهُ سوى الجانبِ السّلبيّ كونَه مُجرّدَ عقابٍ لا هدفَ وراءَه.