ماهي أعمال فاطمة الزهراء للفقراء؟ هل كانت تقوم بتعليمهم أو كانت تملا القربة من الابار وتحملها لهم حتى اثر ذلك في متنها؟

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السّيّدةُ فاطمةُ الزّهراء (سلامُ اللهِ عليها) هَي خرّيجةُ مدرسةِ الوحي والنّبوّةِ، ولذلكَ تجلَّت فيها كلُّ قيمِ الحقِّ والفضيلةِ، والمُتابعُ لِما جاءَ في حقِّ الزّهراءِ عليها السّلام مِن فضائلَ، وكيفَ كانَ رسولُ اللهِ يُعظّمُها ويُجلُّها ويحترمُها ويُعلي مِن شأنِها، إلى درجةِ عندَما تدخلُ عليهِ في مجلسِه يقومُ لها ويُجلِسُها في مكانِه، الأمرُ الذي يدلُّ على أنَّ الزّهراءَ لها مكانةٌ عندَ اللهِ لا يعرفُ قدرَها إلّا رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله)، ولقد وصلَت إلى مقامٍ يقولُ فيهِ رسولُ اللهِ: (فاطمةُ بضعةٌ منّي يرضى اللهُ لرضاها ويغضبُ لغضبِها) ممّا يدلُّ على عصمتِها؛ إذ لا يُتصوّرُ أن يكونَ الغضبُ الإلهيُّ مُعلّقاً على غضبِ شخصٍ تتحكّمُ فيه الأهواءُ والعواطفُ، ويكونُ خاضِعاً للإعتباراتِ الدّنيويّةِ، منَ الشّهوةِ وحبِّ النّفسِ والأنا. 

ومعَ هذهِ المرتبةِ الرّفيعةِ للزّهراءِ (سلامُ اللهِ عليها) لم تتحوَّل إلى مُجرّدِ قدّيسةٍ يخدمُها النّاسُ كما هوَ حالُ السّيّدةِ مريمَ (عليها السّلام) في معبدِها، وإنّما كانَت قدّيسةً عندَ اللهِ وعندَ العارفينَ بحقّها وفي نفسِ الوقتِ تقومُ بدورِها تجاهَ أسرتِها على أكملِ وجهٍ رُغمَ كلِّ الصّعوباتِ والمشاقِّ، حتّى أنَّ عليّاً أميرَ المؤمنين (عليه السّلام) رقَّ لحالِها وامتدحَ صُنعَها، وقالَ لرجلٍ مِن بني سعدٍ: ألا أُحدّثك عنّي وعَن فاطمةَ، إنّها كانَت عندي وكانَت مِن أحبِّ أهلِه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إليهِ، وإنّها استقَت بالقُربةِ حتّى أثّرَ في صدرِها، وطحنَت بالرّحى حتّى مجلَت يداها، وكسحَتِ البيتَ حتّى إغبرَّت ثيابُها، وأوقدَت النّارَ تحتَ القدرِ حتّى دكنَت ثيابُها، فأصابَها مِن ذلكَ ضررٌ شديدٌ. 

فقلتُ لها: لو أتيتِ أباكِ فسألتيهِ خادماً يكفيكِ ضرَّ ما أنتِ فيه مِن هذا العملِ، فأتَت النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فوجدَت عندَه حدّاثاً فاستحَت فانصرفَت. 

قالَ الإمامُ عليّ (عليهِ السّلام): فعلمَ النّبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) أنّها جاءَت لحاجةٍ. 

قالَ الإمامُ عليّ (عليه السّلام): فغدا علينا رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) ونحنُ في لِفاعنا، فقالَ (صلّى اللهُ عليه وآله): السّلامُ عليكُم، فقلتُ: وعليكَ السّلامُ يا رسولَ اللهِ أُدخل، فلَم يعُد أن يجلسَ عندَنا، فقالَ (صلّى اللهُ عليه وآله): يا فاطمةُ، ما كانَت حاجتُكِ أمس عندَ محمّدٍ؟  

قالَ الإمامُ عليّ (عليهِ السّلام): فخشيَت إن لَم تُجِبه أن يقومَ، فقلتُ: أنا واللهِ أُخبركَ يا رسولَ اللهِ، إنّها استقَت بالقُربةِ حتّى أثّرَت في صدرِها، وجرَّت بالرّحى حتّى مجلَت يداها، وكسحَتِ البيتَ حتّى إغبرَّت ثيابُها، وأوقدَتِ النّارَ تحتَ القدرِ حتّى دكنَت ثيابُها. 

فقلتُ لها: لو أتيتِ أباكِ فسألتيهِ خادماً يكفيكِ ضرَّ ما أنتِ فيه مِن هذا العملِ، فقالَ (صلّى اللهُ عليه وآله): أفلا أُعلّمُكما ما هوَ خيرٌ لكُما منَ الخادمِ، إذا أخذتُما منامَكُما فسبّحا ثلاثاً وثلاثينَ وأحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين. 

فقالَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السّلام): مَضَيتِ تُريدينَ مِن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) الدّنيا، فأعطانا اللهُ ثوابَ الآخرةِ. 

ورويَ أنّهُ دخلَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) على عليّ (عليه السّلام) فوجدَه هوَ وفاطمةَ (عليهما السّلام) يطحنانِ في الجاروشِ، فقالَ النّبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله): أيُّكما أعيى؟  فقالَ الإمامُ عليّ (عليه السّلام): فاطمةُ يا رسولَ الله. 

فقالَ (صلّى اللهُ عليه وآله): قومي يا بُنيّة، فقامَت وجلسَ النّبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) موضعَها معَ الإمامِ عليٍّ (عليه السّلام) فواساهُ في طحنِ الحبّ. 

ورويَ عَن جابرٍ الأنصاريّ أنّه رأى النّبيُّ (صلّى اللهُ عليه وآله) فاطمةَ وعليها كساءٌ مِن أجلّةِ الإبلِ وهي تطحنُ بيديها وتُرضِعُ ولدَها، فدمعَت عينا رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) فقالَ: يا بنتاهُ، تعجّلي مرارةَ الدّنيا بحلاوةِ الآخرة. 

فقالَت (عليها السّلام): يا رسولَ اللهِ، الحمدُ للهِ على نعمائِه، والشّكرُ للهِ على آلائهِ، فأنزلَ اللهُ تعالى (وَلَسَوفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ فَتَرضَى). 

وقالَ الإمامُ الصّادقُ (عليه السّلام): كانَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السّلام) يحتطبُ ويستقي ويكنسُ، وكانَت فاطمةُ (عليها السّلام) تطحنُ وتعجنُ وتخبزُ.

أمّا تعاملُها مع الفُقراءِ فقَد كانَ بيتُها مأوىً لأهلِ الحاجةِ حيثُ تتكرّمُ عليهم الزّهراءُ بما عندَها وتؤثرُهم على نفسِها، فكانَت تبيتُ على الطّوى مع زوجِها وأولادِها حتّى يظهرَ أثرُ الجوعِ على وجوههِم الشّريفةِ، وهُم يؤثرونَ ما عندَهم مِن طعامٍ للفُقراءِ والمساكين، وقَد خلّدَ اللهُ موقفَهم في كتابِه الكريمِ ومدحَ صنعتَهُم في سورةٍ كاملةٍ وهيَ سورةُ الإنسانُ، حيثُ قال: (وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا..إِنَّمَا نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُم جَزَاء وَلا شُكُورًا)