الاية الكريمة (ان ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش ) معنى اليوم هو دوران الارض حول نفسها فكيف خلقها في ستة ايام وهي غير موجودة اصلا؟

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله

تتحدّثُ الآيةُ عنِ المراحلِ التي مرَّ بها خلقُ السّماواتِ والأرضِ، وقد بيّنَت أنَّ ذلكَ قَد تمَّ في ستّةِ أيّامٍ، إلّا أنّنا لا نُدركُ تماماً مقدارَ ذلكَ اليومِ، ومنَ المُلفتِ للنّظرِ أنَّ كلمةَ "اليوم" وردَت في كتابِ اللهِ الكريمِ (472) مرّة، في عدّةِ صيغٍ وعدّةِ معانٍ، منها على سبيلِ المثالِ: (مالكِ يومِ الدّينِ)، (اليومُ الآخرُ)، (يوم القيامةِ) وغيرُ ذلك، وعليهِ لا يمكنُ تحديدُ اليومِ في القرآنِ بمقدارٍ مُعيّنٍ منَ الوقتِ، ومِن هُنا ذهبَ بعضُ المُفسّرينَ إلى أنَّ اليومَ هوَ طورٌ أو حقبةٌ زمنيّةٌ من دونِ تحديدٍ لتلكَ الحقبةِ. وهذا بخلافِ اليومِ في عُرفِ البشرِ أو بحسبِ قوانينِ الجُغرافيا التي جعلَت اليومَ هوَ مجموعُ اللّيلِ والنّهارِ ومُدّتُه 24 ساعةً، وجعلَت دورانَ الأرضِ حولَ محورِها هوَ الضّابطَ في ذلكَ، مُضافاً إلى أنَّ هُناكَ أيّاماً أُخرى بالحسابِ الفلكيّ مثلَ اليومِ الشّمسيّ واليومِ النّجميّ.  

وتجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ الأيّامَ السّتّةَ التي تمَّ فيها خلقُ السّماواتِ والأرضِ قَد تكرّرَت في عدّةِ آياتٍ كريمةٍ، منها قولُه تعالى: (اللهُ الذي خلقَ السّمواتِ والأرضِ وما بينَهُما في ستّةِ أيّامٍ ثُمَّ استوى على العرشِ ما لكُم مِن دونِه مِن وليٍّ ولا شفيعٍ أفلا تتذكّرون)(السّجدةُ (4)، وقولُه: (هوَ الذي خلقَ السّمواتِ والأرضَ في ستّةِ أيّامٍ ثمَّ استوى على العرشِ يعلمُ ما يلجُ في الأرضِ وما يخرجُ منها وما ينزلُ منَ السّماءِ وما يعرجُ فيها وهوَ معكُم أينَما كنتُم واللهُ بما تعملونَ بصير) (الحديدُ-14)، كما وردَت في الأعرافِ الآية 54، ويونس الآيةُ 3، هود الآيةُ 7، الفُرقان الآيةُ 59، السّجدةُ الآيةُ 4،  ق الآيةُ  38، الحديدُ الآيةُ 4، المُجادلةُ آية 4. حيثُ تكشفُ جميعُها عَن قُدرةِ اللهِ وهيمنتِه على الوجودِ بحيثُ لا يفلتُ مِن قبضتِه شيءٌ، وقَد يدلُّ ذكرُ اليومِ في الآياتِ إلى تقريبِ الأمرِ بالنّسبةِ لإدراكِ الإنسانِ الذي لا يمكنُه إستيعابُ الأمرِ دفعةً واحدةً، فلاحظَتِ الآيةُ طبيعةَ الإنسانِ الذي ينجزُ عملَه في فتراتٍ زمنيّةٍ مُتتاليةٍ، وإلّا فخلقُ السّماواتِ والأرضِ بالنّسبةِ لقُدرةِ اللهِ تعالى مُعلّقةٌ فقَط بقولِه تعالى (كُن فيكون). ومِن جهةٍ ثانيةٍ قَد يُفهَمُ ذكرُ الأيّامِ في خلقِ السّماواتِ والأرضِ إلى تأكيدِ الحِكمةِ مِن هذا الخلقِ، فالتّرتيبُ والتّدرُّجُ يكشفُ عَن وجودِ غايةٍ يسعى الوجودُ إلى بلوغها، وعلى الإنسانِ إدراكُ ذلكَ والعملُ على تحقيقِها، ولذلكَ نجدُ آخرَ الآياتِ ربطت النّتيجةَ بفعلِ الإنساِن، مثلَ قولِه: (ما لكُم مِن دونِه مِن وليٍّ ولا شفيعٍ أفلا تتذكّرونَ) وقوله: (وهوَ معكُم أينَما كُنتم واللهُ بما تعملونَ بصير)، وبعيداً عَن إدراكِنا أو عدمِ إدراكِنا للحِكمةِ مِن خلقِ السّماواتِ والأرضِ في ستّةِ أيّامٍ، فإنَّ الأمرَ الذي نقطعُ بهِ أنَّ البحثَ عَن معنى اليومِ وتحديدِه بفترةٍ زمنيّةٍ لا يقعُ ضمنَ أهدافِ الآياتِ، بل ينحصرُ الهدفُ في بيانِ قُدرةِ اللهِ وهيمنتِه على الوجودِ وبالتّالي بلوغ الإنسانِ إلى مرتبةِ التّوحيدِ الخالصِ والإنقطاع التّامّ إليهِ تعالى. 

 كما تجدرُ الإشارةُ أيضاً إلى أنَّ اليومَ في القُرآنِ يُعادلُ ألفَ سنةٍ كما في قولِه تعالى: (وإنَّ يوماً عندَ ربّكَ كألفِ سنةٍ ممّا تعدّونَ) (الحجُّ: 47) الأمرُ الذي ينفي تماماً حسابَ اليومِ بدورانِ الأرضِ حولَ نفسِها، وعليهِ فإنَّ حسابَ اليومِ ليسَ موقوفاً على وجودِ الأرضِ حتّى يُشكَلَ على الآيةِ بالقولِ: (كيفَ خلقها في ستّةِ أيّامٍ والأرضُ لَم توجَد بعد؟)