اذا طلب الشخص من الله امور مستحيلة هل سيحققها الله له؟ كأن يطلب من الله عقلا له ذكاء خارق او ان يزيد الله على طول قامته ذراعا وغيرها؟

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدّعاءُ بابُ رحمةِ اللهِ الذي فتحهُ لعبادِه، فبهِ يستشعرُ العبدُ مدى فقرِه وحاجته، كما يعترفُ للهِ بعظيمِ قُدرتِه وجميلِ فضلِه وكريمِ إحسانِه، فالدّعاءُ إقرارٌ للرّبِّ بالرّبوبيّةِ وللعبدِ بالعبوديّةِ، قالَ تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، فالدّعاءُ يعني لجوءَ العبدِ بحاجاتِه إلى مولاه ولا يعني اختبارَه وتجربتَه، فعندَما وعدَ اللهُ باستجابةِ الدّعاءِ فإنَّ ذلكَ لا يعني أن يُصبحَ العبدُ سيّداً على مولاه، فيأمرُه بما يشتهي وينهاهُ عما لا يرغبُ فيه؛ فذلكَ لا ينسجمُ معَ طبيعةِ الدّعاءِ القائمةِ على الأدبِ الرّفيعِ والخُلقِ العظيمِ، فالعلاقةُ بينَ الدّاعي والمدعوّ هيَ علاقةٌ بينَ العبدِ والمعبودِ وبينَ المخلوقِ والخالق، والعبدُ لا يكونُ في مقامِ الأمرِ والطّلبِ وإنّما في مقامِ الرّجاءِ والعفو، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) والدّعاءُ الذي هوَ مُخُّ العبادةِ لا يتحقّقُ إلّا بعدَ العملِ الصّالحِ والإقرارِ للهِ بالعبوديّةِ، قالَ تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فليَستَجِيبُوا لِي وَليُؤمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُون). وعليهِ فإنَّ المُشتغلَ بالدُّعاءِ يجبُ أن يعلمَ أنّهُ بينَ يدي العزيزِ الجبّار مالكِ السّماواتِ والأرضِ وما بينَهما، ويجبُ أن يستحضرَ مدى فقرِه وحاجتِه وعظيمِ بليّتِه وضعفِه فيخضعُ لهُ بالقولِ والفعلِ، ومِن هُنا أوصى أئمّةُ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) بآدابِ الدّعاءِ والمسألةِ لكي يُحسنَ الإنسانُ التّخاطبَ معَ ربِّه وخالقِه، ومِن آدابِ الدّعاءِ الإقبالُ بالقلبِ والإنقطاعُ التّامُّ للهِ تعالى، رويَ عَن أبي عبدِ الله (عليه السّلام): (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يستجيبُ دُعاءً بظهرِ قلبٍ ساهٍ، فإذا دعوتَ فأقبِل بقلبكَ ثمَّ إستيقِن بالإجابةِ). ومنها أن يكونَ الأملُ في اللهِ وحدِه، فعن الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام): (إذا أرادَ أحدُكم أن لا يسألَ ربّهُ شيئاً إلّا أعطاهُ، فلييأس منَ النّاسِ كلِّهم، ولا يكونُ له رجاءٌ إلّا عندَ اللهِ، فإذا علمَ اللهُ عزَّ وجلَّ ذلكَ مِن قبلِه لَم يسأل اللهَ شيئاً إلا أعطاه). وغيرُ ذلكَ مِن رقّةِ القلبِ والبكاءِ والتّضرّعِ وإظهارِ الخشوعِ والتّبتّلِ، والإلحاحِ في المسألةِ لأنَّ اللهَ قَد يُؤخّرُ الإجابةَ لحكمةٍ لا يعلمُها إلّا الله، فعَن أبي عبدِ الله (عليه السّلام) قال: (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ كرهَ إلحاحَ النّاسِ بعضَهُم على بعضٍ في المسألةِ وأحبَّ ذلكَ لنفسِه، إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يحبُّ أن يُسألَ ويُطلبَ ما عندُه). 

وإذا علمَ العبدُ فلسفةَ الدّعاءِ ومعناهُ عرفَ أنَّ طلبَ بعضِ الأمورِ لا يليقُ باللهِ تعالى، لأنَّه عندَها يتحوّلُ الدُّعاءُ مِن حالةِ خضوعٍ وتبتّلٍ إلى إستهتارٍ وتكبّرٍ، فمَن يطلبُ مثلاً أن يجعلَ اللهُ لهُ جناحينِ يطيرُ بهِما أو قوىً يحملُ بها الجبالَ لا يطلبُ ذلكَ إلّا إذا كانَ جهّالاً بالله ولاهياً عن حِكمةِ خلقه وفلسفةِ وجودِه في الدّنيا، فاللهُ خلقَ الإنسانَ بكيفيّةٍ مُعيّنةٍ وكلّفهُ برسالةٍ مُحدّدةٍ ووعدَهُ بالعونِ واستجابةِ الدّعاءِ في ما يُحقّقُ لهُ مسيرهُ إلى اللهِ تعالى منَ الحاجاتِ المادّيّةِ والمعنويّةِ، والإنسانُ المُشتغلُ بما كلّفهُ اللهُ والسّاعي لتحقيقِ مرضاتِه لا يمكنُه التّفكيرُ في غيرِ ما أوجبَهُ اللهُ عليه، والأمثلةُ التي ذكرَها السّائلُ هيَ ليسَت منَ الأمورِ المُستحيلةِ في نفسِها، فالأمورُ المُستحيلةُ هيَ الأمورُ التي تنتهي إلى اجتماعِ الُمتناقضين، وهيَ أمورٌ مُمتنعةٌ في نفسِها وخارجةٌ عَن دائرةِ الدّعاءِ منَ الأساسِ، أمّا أن يكونَ لهُ ذكاءٌ خارقٌ أو يزيدُ في طولِ قامتِه فإنَّ ذلكَ ليسَ مُستحيلاً في نفسِه، ويجوزُ للعبدِ أن يطلبَهُ إن كانَ ذلكَ يُعينُه فيما كلّفهُ بهِ اللهُ تعالى، وليسَ بالضّرورةِ أن يُحقّقَ اللهُ له ما يتمنّاهُ لأنَّ اللهَ لا يُسيّرُ الوجودَ بحسبِ رغباتِ العباد.