لماذا خلق الله تعالى الانسان وكل الكائنات الحية بمراحل نطفة وجنين وشاب وشيخ ومن ثم الى الموت الذي لابد منه؟ في حين ان هناك كائنات تتكاثر بالتكاثر اللاجنسي

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السّؤالُ عن الكيفيّةِ التي خلقَ اللهُ بها الإنسانَ والطّرقِ التي يتكاثرُ عبرَها، يُفهَمُ على نحوين؟ 

 الأوّلُ: يبحثُ السّؤالُ عنِ الإحتمالاتِ المُمكنةِ لذلكَ قبلَ مرحلةِ الخلقِ والإيجاد. 

 الثاني: يبحثُ السّؤالُ عَن معرفةِ الحِكمةِ مِمّا هوَ كائنٌ بعدَ مرحلةِ التّحقّقِ والإيجاد. 

فإذا قُصِدَ بالسّؤالِ المعنى الأوّل، فإنَّ الإنسانَ غيرُ مُؤهّلٍ للإجابةِ عليه؛ لأنّها مرحلةٌ سابقةٌ لوجودِه وخارجةٌ عَن إرادتِه وشعورِه، وبالتّالي لا يمكنُ أن يفترضَ أيّ مسارٍ لكيفيّةِ خلقِه أو تكاثرِه فيما بعد. 

أمّا إذا قصدَ المعنى الثّاني، فإنَّ صيغةَ السّؤالِ لا تكونُ عبرَ إفتراضِ خيارٍ بديلٍ لِما هوَ موجودٌ ومُتحقّقٌ بالفعلِ، وإنّما تكونُ صيغةُ السّؤالِ دالّةً على البحثِ عَن معرفةِ الحِكمةِ والفوائدِ المُترتّبةِ على ما هوَ كائنٌ في الواقعِ الخارجيّ، وهذا النّوعُ منَ الأسئلةِ يُمثّلُ إهتمامَ العقلِ الإنسانيّ، وقامَت على أساسِه كلُّ البحوثِ العلميّةِ، وقَد تمكّنَ الإنسانُ بالفعلِ مِن معرفةِ الكثيرِ منَ الظّواهرِ الطّبيعيّةِ والإنسانيّةِ، وفيما يتعلّقُ بظاهرةِ تكاثرِ الكائناتِ الحيّةِ قطعَتِ البشريّةُ شوطاً كبيراً في معرفةِ ذلكَ، وأنشِئتِ الجامعاتُ المُتخصّصةُ في دراسةِ الأحياءِ، وقَد أحاطَت عِلماً بأدقِّ التّفاصيلِ وما زالَت البحوثُ مُستمرّةً لكشفِ المزيد. 

وإذا نظرنا للأمرِ مِن زاويةٍ دينيّةٍ لوجَدنا أنَّ اللهَ قَد خلقَ الإنسانَ في أحسنِ تقويمٍ، قالَ تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) وسخّرَ لهُ كلَّ ما في الوجودِ ليتمكّنَ منَ الحياةِ والإستمرارِ فيها عبرَ التّكاثرِ والتّوالدِ، فليسَ هُناكَ أفضلُ مِمّا هوَ كائنٌ ومُتحقّقٌ، قالَ تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).   

وعليهِ إذا حملنا سؤالَ السّائلِ على الحِكمةِ والفوائدِ المُترتّبةِ على التّكاثرِ الجنسيّ، فيُمكنُنا أن نستعينَ ببعضِ البحوثِ العلميّةِ التي إهتمَّت بهذا الأمرِ وكشفَتِ الكثيرَ منَ الأسرارِ في هذا النّوعِ منَ التّكاثرِ، وهيَ بحوثٌ ودراساتٌ مُطوّلةٌ يعرفُها أهلُ الإختصاصِ ولِذا سوفَ نُشيرُ إلى الملامحِ العامّةِ لِهذا الأمرِ.  

فالتّكاثرُ اللّاجنسيّ هوَ عبارةٌ عَن نشوءِ نسلٍ جديدٍ مِن كائنٍ واحدٍ فقَط، وهيَ عمليّةٌ يُكرِّرُ بها الكائنُ الحيّ نفسَه من دونِ أيّ صفاتٍ وراثيّةٍ جديدةٍ تُمكّنُه مِن تطويرِ نفسِه، فالتّكاثرُ اللّاجنسيّ ليسَ إلّا عمليّةَ إستنساخٍ لا يحدثُ فيها أيُّ تغييرٍ في عددِ الكروموسومات، ولذلكَ قَد يناسبُ هذا التّكاثرُ بعضَ الكائناتِ مثلَ الفطريّاتِ أُحاديّةِ الخليّةِ، ولا يتناسبُ معَ كائناتٍ أُخرى فلَو إفترضنا هذا النّوعَ منَ التّكاثرِ للبشرِ لكانَ الإنسانُ صورةً واحدةً تُعيدُ نفسَها كلَّ حينٍ. وعليه فإنَّ التّكاثرَ الجنسيّ يُساهمُ في التّنوّعِ والتّحسينِ المُتواصلِ للصّفاتِ مِمّا يتيحُ للأبناءِ إمكانيّةَ التّكيّفِ بشكلٍ أفضلَ معَ التّغيّراتِ البيئيّةِ. 

وبالتّالي التّكاثرُ اللّاجنسيّ لا يمكنُ تعميمُه على كلِّ الكائناتِ لأنّه يؤدّي إلى مجموعةٍ منَ السّلبيّاتِ مِنها: 

1- إفتقارُ الحياةِ إلى التّنوّعِ للتّطابقِ الوراثيّ بينَ الأفرادِ المُتكاثرةِ لاجنسيّاً. 

2- عدمُ التّنوّعِ لا يتيحُ تحسينَ الصّفاتِ ممّا يُقلّلُ منَ القُدرةِ على التّكيّفِ بشكلٍ أفضلَ معَ البيئةِ. 

3-  أثناءَ التّكاثرِ اللّاجنسيّ يتمُّ إستنساخُ مجموعةِ الجيناتِ بصورةٍ كاملةٍ وتنتقلُ كلُّ التّعديلاتِ مِن جيلٍ إلى آخرَ ممّا يُؤدّي إلى تردّي الحالةِ الصّحيّةِ لبعضِ الكائناتِ، ومِن ثُمَّ إلى إنقراضِها.  

وبحُكمِ المُقارنةِ يُمكِنُنا معرفةُ فوائدِ التّكاثرِ الجنسيّ، التي يمكنُ الإشارةُ إليها في الآتي: 

1 ـ تتمتّعُ الكائناتُ الحيّةُ النّاتجةُ عنِ التّكاثرِ الجنسيّ بصحّةٍ جيّدةٍ، طِبقاً لِما توصّلَت إليهِ دراسةٌ قامَ بها مجموعةٌ مِن عُلماءِ الأحياءِ في كندا، والسّببُ في ذلكَ هوَ عدمُ قُدرةِ التّعديلاتِ الجينيّةِ الضّارّةِ لدى هذهِ الكائناتِ إلى التّطوّرِ حتّى معَ مرورِ الزّمنِ.  

2 ـ في حالِ التّكاثرِ الجنسيّ تمتزجُ الجيناتُ وتتغيّرُ تركيبتُها بطريقةٍ لا يمكنُ التّنبّؤُ بها، ممّا يتيحُ للأبناءِ فُرصةً أكبرَ في الحصولِ على صفاتٍ وراثيّةٍ أفضَل.

 

وفي الختامِ نُشيرُ إلى تجربةٍ عمليّةٍ قامَ بها فريقٌ منَ العُلماءِ في كُلٍّ مِن كندا والصّين، لدراسةِ تأثيرِ نوعِ التّكاثرِ على الكائناتِ الحيّةِ، فأجروا تجاربَهم على نوعٍ منَ الزّهورِ يُعرَفُ بزهرةِ الأونوثارة (Oenothera). ولهذهِ الزّهرةِ قُدرةٌ على التّكاثرِ بكِلا الطّريقتين الجنسيّة واللّاجنسيّة بحيثُ إنَّ نحوَ 30% مِن أنواعِها تتكاثرُ بطريقةٍ لاجنسيّة. فاكتشفوا أنَّ التّكاثرَ اللّاجنسيّ يُؤدّي إلى تراكُمِ تعديلاتٍ ضارّةٍ دائِماً ممّا يُسفرُ عَن قلّةِ قُدرةِ النّباتِ على البقاءِ بصحّةٍ جيّدة.