ما هو السبب الذي جعل الانسان يخلق في بيت شيعي او يخلق في بيت سني او في بيت ميسحي او في بيت يهودي هل هناك اختيار يحصل في عالم الذر؟

الانسان عندما يولد لايختار ان يكون شيعي او سني او مسيحي او يهودي ما هو السبب الذي جعل الانسان يخلق في بيت شيعي او يخلق في بيت سني او في بيت ميسحي او في بيت يهودي هل هناك اختيار يحصل في عالم الذر ويختار الانسان اهله و يختار نسبه ام هذا توفيق من عند الله تعالى ان يولد اثني عشري ام يولد من نسال رسول الله ؟ واذا كان الاختيار يحصل في عالم الذر لماذا لانتذكر هذا الشيئ مع العلم نحن من اختار

: اللجنة العلمية

 الأخُ المُحترمُ، السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ 

يبدو أنَّ السّائلَ لَم يقتنِع بما طُرحَ له مِن إجاباتٍ لأنّهُ يرتكزُ على تصوّرٍ يعتقدُ معهُ أنَّ العدالةَ تقتضي المساواةَ بينَ البشرِ في كلِّ شيءٍ؛ ليسَ فقَط في إمكاناتِهم الجسديّةِ والعقليّةِ، وإنّما حتّى في ظروفِهم الحياتيّةِ والإجتماعيّةِ إلى درجةِ التّطابقِ التّامِّ، وعليهِ إذا وُلدَ إنسانٌ في أُسرةٍ مُؤمنةٍ والآخرُ في أُسرةٍ كافرةٍ يُحدِثُ ذلكَ خللاً في موضوعِ العدالةِ، وبخاصّةٍ أنَّ الإنسانَ ليسَ مُخيّراً في تحديدِ كُلِّ ذلكَ، وعليهِ يعودُ عدمُ فهمِه للكثيرِ منَ الظّواهرِ للخلطِ بينَ موضوعِ العدالةِ وموضوعِ المساواة، فطبيعةُ الحياةِ والظّروفِ التي تحكمُها ليسَت مُتساويةً بالطّبعِ، قالَ تعالى: (قُل هَل يستوي الأعمى والبصيرُ أم هَل تَستوي الظّلماتُ والنّور) وقالَ تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) وقالَ تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) وعليهِ فمَن يفترضُ التّساويَ لا بُدَّ أن يصطدمَ بالكثيرِ منَ الشّواهدِ التي تُخالفُ هذا الفرض. وفِي المُقابل نجدُ أنَّ طبيعَة الحياةِ وتكليفَ الإنسانِ فيها تحكمهُ العدالةُ في الحقوقِ والواجباتِ وفي الثوابِ والعقاب، ولمُقاربةِ الأمرِ لابُدَّ منَ الوقوفِ بشكلٍ مُختصرٍ على تعريفِ العدلِ والمساواة ومِن ثُمَّ الإشارة لفلسفةِ وجودِ الإنسانِ وما يتعلّقُ بتكليفِه في الحياةِ.

 عُرّفَ العدلُ في اللّغةِ بأنَّهُ ضدَّ الجورِ والظّلمِ والتّعدّي، وعُرّفَ في الإصطلاحِ بأنَّهُ إستخدامُ الأمورِ في موضعِها ووقتِها واستعمالُها في وجوهِها ومقاديرِها، وعُرّفَ العدلُ في الحُكمِ بأن يُثابَ المرءُ على الحسنةِ بالحسنةِ، وعلى السّيّئةِ بالسّيّئةِ. أمّا المساواةُ في اللّغةِ هيَ جعلُ الشّيئينِ مُتعادلينِ ومُتماثلين، وعليهِ فإنَّ المساواةَ مطلوبةٌ في بعضِ الأمورِ بينَما العدلُ مطلوبٌ في جميعِ الأمورِ؛ لأنَّ العدلَ يعني الموازنةَ بينَ جميعِ الأطرافِ بحيثُ يأخذُ كلُّ ذي حقٍّ حقّه، أمّا المساواةُ فقَد تعني التّسويةَ بينَ أمرين بينَما يكونُ منَ الحكمةِ التّفريقُ بينَهُما، ومعَ أنَّ العدلَ قَد يقتضي المساواةَ في بعضِ الأمورِ إلّا أنَّ المساواةَ ليسَت شرطاً للعدلِ دائِماً؛ بَل قَد يكونُ العدلُ في غيرِها مثل مَن يمتلِكُ (بقرةً وسخلةً) فإنَّ العدلَ يقتضي عدمَ مساواتِهما في مقدارِ الطّعامِ الذي يُقدّمُه لهُما. 

وإذا إتّضحَ ذلكَ فإنَّ حياةَ الإنسانِ والمسؤوليّةَ التي يجبُ أن يتحمّلها لا تتوقّفُ على أن يكونَ البشرُ مُتساويينَ في كُلِّ شيءٍ، وإنَّما حكمةُ الحياةِ وضرورةُ الإستمرارِ فيها يقتضِي التّفاوتَ والإختلافَ، قالَ تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)، فقَد أوجدَ اللهُ الإنسانَ ليبتليهِ ويمتحنهُ في هذهِ الحياة، وليسَ بالضّرورةِ أن يتساوى الجميعُ في نوعِ الإمتحانِ فقَد يُمتحَنُ البعضُ بالثّروةِ ويُمتحنُ البعضُ الآخرُ بالحاجةِ والفقرِ، أو يُمتحنُ البعضُ في زمانٍ ومكانٍ في حينِ يُمتحنُ غيرُهم في زمانٍ ومكانٍ آخر، ومعَ أنَّ الإبتلاءَ مُختلفٌ إلّا أنَّ جميعَها خاضعةٌ للعدالةِ بحيثُ يُعطى كلُّ إنسانٍ بقدرِه ويُمتحنُ بحسبِ طاقتِه قالَ تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ).وحتّى تكتملَ الرّؤيةُ لابُدَّ منَ الإشارةِ إلى أنَّ تكليفَ الإنسانِ لا يكونُ إلّا بعدَ أن يُصبحَ قادِراً على التّمييزِ بينَ الحقِّ والباطلِ، وعندَها يكونُ الإنسانُ مسؤولاً عن الطّريقِ الذي يسلكُه، ومعَ أنَّ البيئةَ والتّربيةَ والوراثةَ والمُجتمعَ وكلَّ الظّروفِ المُحيطةِ تؤثّرُ على قراراتِ الإنسانِ إلّا أنّها ليسَت حتميّةً وإنّما بمقدورِ الإنسانِ مقاومتُها والبحثُ عنِ الحقِّ مهما كانَت التّحدّيات، فالإنسانُ في حقيقتِه ليسَ مُجرّدَ إمّعةٍ تابعٍ لغيرِه، وإنّما بمقدورِه المقاومةُ والتّحدّي لجميعِ تلكَ الظّروفِ واختيارِ ما يعتقدُ بهِ بكلِّ حُرّيّة وتحّررٍ، فقَد خصَّ اللهُ الإنسانَ بإرادةٍ واعيةٍ وعقلٍ نيّرٍ وروحٍ توّاقةٍ للحقيقةٍ، وعلى ذلكَ لا يكونُ الإنسانُ معذوراً في إتّباعهِ الأعمى لِما وجدَ عليهِ الآباءَ، ولِذا حاربَ القرآنُ هذهِ النّفسيّةَ المُنكسرةَ وطالبَ الإنسانَ باِتّباعِ الحقِّ حتّى لو كانَ مُخالِفاً لما عليه قومُه وعشيرتُه، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) وعليهِ مع إعترافِنا بالجانبِ المُنفعلِ في الإنسانِ، نعترفُ أيضاً بالجانبِ الفاعلِ فيه، وهو جانبُ الرّوحِ العصيّةِ على الإنكسارِ، فليسَ هُناكَ ظروفٌ حتميّةٌ وقدرٌ لازمٌ تفرضُه الوراثةُ أو التّربيةُ كما يُوحي السّؤالُ.