هناك مقولة مشهورة "فاقد الشي لايعطي" وعليه ان الله ليس بجسم مما لاشك فيه فكيف يعطي الجسم؟

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله

معنى هذهِ المقولةِ أنَّ فاقدَ الكمالِ لا يمكنُ أن يهبَ لغيرِه كمالاً، مثالُ ذلكَ العلمُ كمالٌ ومَن لَم يحظَ بهذهِ المَلكةِ لا يمكنُه أن يُعطيها لغيرِه. إذا إتّضحَ هذا نقولُ : إنَّ الكمالاتِ الوجوديّةَ تنقسمُ إلى قسمين : القسمُ الأوّلُ : كمالاتُ الوجودِ بما هوَ وجودٌ ، وهيَ الثّابتةُ في جميعِ رُتبِ الوجودِ على نحوِ التّشكيكَ، و تكونُ في كُلِّ رُتبةٍ كمالاً ، كالقُدرةِ والعلمِ . القسمُ الثّاني : ما كانَ كمالًا لرُتبةٍ ، وهوَ نقصٌ لرُتبةٍ أُخرى ، كالحركةِ و الجسميّةِ والقُدرةِ على الحملِ والإنجابِ واللّحيةِ وغيرِ ذلكَ ، فهيَ نقائصُ بالنّسبةِ إلى العقلِ المُفارقِ أو تستلزمُ النّقصَ. وهذا القسمُ مِن لوازمِ وجودِ كلِّ رُتبةٍ ، فالجسميّةُ في الحقيقةِ ماهيّةٌ لا وجودَ لها بناءً على أصالةِ الوجودِ ، ولكنَّ وجودَ الجسمِ الخاصِّ الذي يشكّلُ مساحةً خاصّةً منَ الخارجيّةِ ولهُ رُتبةٌ خاصّةٌ منَ الوجودِ يُنتزَعُ منهُ مفهومُ الجسمِ ، و إذا كانَت امرأةً فتُرتّبُ فائدتُه التّامّةُ موقفاً على قابليّةِ الحملِ والإنجابِ ، وليسَ كذلكَ في الرّجلِ. فيتّضحُ بأنَّ الوجودَ مفهومٌ واحدٌ مُشكّكٌ أي يختلفُ قوّةً وضعفاً مِن موجودٍ الى آخر والجسمُ بما أنّهُ موجودٌ منَ الموجوداتِ فالمقطوعُ بهِ أنَّ علّةَ وجودِه هيَ مُفيضُ الوجودِ وهوَ اللهُ تباركَ وتعالى، فالجسميّةُ في مرحلةٍ منَ المراحلِ هيَ كمالٌ لأنّها وجودٌ، نعَم هوَ وجودٌ مشوبٌ بالنّقصِ والمادّةِ والفناءِ والحاجةِ، إلّا أنّهُ معَ ذلكَ أشرفُ منَ العدم. يمكنُ القولُ بأنَّ اللهَ تعالى خلقَ الصّادرَ الأوّلَ وجعلَه علّةَ نزولِ الفيضِ على الخلائقِ ولذلكَ فإنَّ هذهِ الواسطةَ تُعطي كُلَّ موجودٍ بقدرِ إستحقاقِه، فتتراوحُ الموجوداتُ في عالمِ الإمكانِ منَ الأشرفِ وجوداً كالمُجرّداتِ ونحوِها الى الأخسِّ وجوداً وهيَ الأجسامُ المادّيّةُ. بعدَ بيانِ هذهِ الأمورِ نقولُ : إنَّ الفاعلَ الأوّلَ إنّما يُعطي الوجودَ السّاري في جميعِ الموجوداتِ على نحوِ التّشكيكِ ، والموجوداتِ بحسبِ رُتبِها المُتفاوتةِ تكونُ لها حدودٌ وأحكامٌ لازمةٌ لها، واللهُ تعالى واجدٌ لكمالِها الوجوديّ بصورةٍ أتمٍّ وأشرف، فلَم تنخرِم فيهِ قاعدةُ (مُعطي الشّيء لا يكونُ فاقِداً لهُ ) لأنّهُ إنّما يُعطي الوجودَ ، وهوَ واجدٌ لهُ بالنّحو المُتقدّم .