مَعنَى (الجَهَالَة) في قولهِ تَعَالى: (يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) ؟!

رَحِيمُ/: السَّلَامُ عَلَيكُم ووَفَّقَكُم ٱللهُ وأَحسَنَ عاقِبَتَكُم، يَقولُ البارِي عَزَّ وجَلَّ: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) فهَل الـمَقصُودُ هُو الجاهِلُ غَيرُ الـمُتعلِّمِ والقاصِرِ؟ فإِذا كانَ هذا الـمَقصُودُ فكَثيرٌ مِنَ النَّاسِ الـمُؤمِنينَ يَعمَلُونَ السُّوءً عَن سَهوٍ ونِسيانٍ، وسُرعانً ما يَتَذَكَّرُونَ، فهَل هَؤلاءِ لا يَتُوبُ ٱللهُ عَلَيهِم إِن طَلَبُوا التَّوبَةَ؟ فمًا مَعنَى الجَهَالَةِ هُنا؟

: اللجنة العلمية

الأَخُ رَحِيمُ الـمُحتَرَمُ:

عَلَيكُم السَّلَامُ وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُه:- 

قالَ آيةُ اللهِ الشَّيخُ ناصِرُ مَكارِمُ الشِّيرازِيّ في كِتابِهِ "الأَمثلِ في تَفسِيرِ كِتابِ ٱللهِ الـمُنزَلِ":

 (في هذِهِ الآيةِ يُشيرُ سُبحانَهُ إِلى شَرائطِ قَبولِ التَّوبةِ إِذ يَقولُ: إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى ٱللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهًالَةٍ.

وهُنا يَجِبُ أَن نرَى مًاذا تَعنِي "الجَهَالَةُ" هَل هِي الجَهلُ وعَدَمُ الـمَعرِفةِ بالـمَعصِيَةِ، أَو هِي عَدَمُ الـمَعرِفةِ بالآثارِ السَّيِّئَةِ والعَواقِبِ الـمُؤلِـمَةِ لِلذُّنوبِ والـمَعاصِي؟

إِنَّ كَلمةَ الجَهلِ ومَا يُشتَقُّ مِنهَا وإِن كانَت لهَا مَعانٍ مُختلِفةٌ، ولكِن يُستَفادُ مِنَ القَرائِنَ أَنَّ الـمُرادَ مِنها في الآيةِ الـمَبحُوثةِ هُنا هٌو طُغيانُ الغَرائزِ، وسَيطرةُ الأَهواءِ الجامِحةِ وغَلَبَتُها على صَوتُ العَقلِ والإِيمانِ، وفي هذِهِ الصُّورةِ وإِن لَمْ يَفقِدِ الـمَرءُ العِلمَ بالـمَعصِيةِ، إِلَّا أَنَّهُ حِينَما يَقَعُ تَحتَ تأثِيرِ الغَرائزِ الجامِحةِ، يَنتَفي دَورُ العِلمِ ويَفقِدُ مَفعُولَهُ وأَثرَهُ، وفُقدَانُ العِلمِ لأَثَرِهِ مُسَاوٍ لِلجَهلِ عَمَلاً.

وأَمَّا إِذا لَمْ يَكُنِ الذَّنبُ عن جَهلٍ وغَفلةٍ، بَل كانَ عَن إِنكارٍ لِحُكمِ ٱللهِ سُبحانَهُ وعِنادٍ وعِداءٍ، فإِنَّ ٱرْتِكابَ مِثلِ هذا الذَّنبِ يُنبِئُ عَنِ الكُفرِ، ولِهذا لا تُقبَلُ التَّوبةُ مِنهُ، إِلَّا أَن يَتَخَلَّى عَن عِنادِهِ وعِدائِهِ وإِنكارِهِ وتَمَرُّدِهِ.

وفي الحَقِيقةِ إِنًّ هذِهِ الآيةَ تُبَيِّنُ نَفسَ الحَقِيقةِ الَّتي يَذكُرُها الإِمامُ السَّجَّادُ (عَلَيهِ السَّلامُ) في دُعاءِ أَبي حَمزَةَ بِبَيانٍ أَوضحَ إِذ يَقولُ: "إِلَهِي لَمْ أَعْصِكَ حِينَ عَصَيتُكَ وأَنا بِرُبُوبِيَّتِكَ جاحِدٌ ولَا بأَمرِكَ مُستَخِفٌّ، ولَا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ، ولًا لِوَعِيدِكً مُتَهَاوِنٌ، لَكِن خَطِيئةٌ عَرَضَت وسَوَّلَت لِي نَفسِي وغَلَبَني هَوَاي".

[تَفسِيرُ الأَمثلِ 3: 155] 

ودُمتُم سًالِمِينَ