أسئلةٌ عن خلْقِ آدمَ (ع) وأبنائِهِ.

‏فؤاد المياحي‏: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عندي مجموعةٌ من الأسئلة وأتمنى من جنابكم الكريم الحصولَ على أجْوِبَتِها.   السؤال الأول: نحن نعرف أنَّ بيننا وبين أبينا آدمَ عليه السلام نحو ٢٠ ألف سنةٍ أكثر أو اقلّ، والعلمُ الحديثُ اكتشفَ آثاراً تعودُ إلى ١٠٠ مليون سنةٍ وأكثر، هل كان هناك خلْقٌ غيرنا؟ وما هو نوعُ ذلك الخلقِ على تقديرِ وجودهِ، هل هو بشرٌ مثلُنا، أم حيواناتٌ أم غير ذلك؟ ولماذا لم نجد آثاراً له تدلُّ عليه ؟ السؤال الثاني: ونحنُ نجدُ أيضاً أنَّ هذا الخَلْقَ كُلَّه من نَسْل آدمَ، ونَعلَمُ أنَّ زواجَ الأخِ من أختِهِ حرامٌ، فكيفَ انتشرَ هذا الخلقُ بهذهِ الأعدادِ الكثيرةِ حيثُ قابيل قتل هابيل، وأولادُ ادَمَ المذكورونَ ثلاثةٌ، قابيلُ وهابيلُ وشيثُ فبمن تزوَّجُوا؟ السؤال الثالث: من أينَ تعلَّمَ قابيلُ القتلَ عندما قتلَ أخاهُ هابيل؟ وهلْ أقامَ آدَمُ عليه السلام الحدَّ على قابيلَ أم لا ؟ السؤال الرابع: عندما أمَرَ اللهُ تعالى الملائكةَ بالسُّجودِ لآدم، أبى إبليسُ واستَكْبَرَ وقال (لَأُغْوِيَنَّهُمْ)، كيف أمِنَ عقابَ اللهِ؟  ومِنْ أينَ عرَفَ غوايةَ البشر؟  وهل كانتْ هناكَ أحداثٌ مشابهةٌ من قبلُ حتى يتجرأَ إبليسُ ويتحدَّى أمرَ اللهِ تعالى؟ شُكراً لكم.

: اللجنة العلمية

الاخ فؤاد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

ج س 1: جاء في مرويات أهل البيت ( عليهم السلام ) بأنّ هناك خلقاً في الأرض سبقَ خَلْقَ آدمَ أبي البشر ( عليه السلام ) بكثير .

روى الصدوق عن أبيه، قال : حدثنا سعد بن عبد الله، قال : حدثنا محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر الباقر في حديث قال : لعلَّكَ ترى أنَّ اللهَ انَّمَا خلقَ هذا العالَمَ الواحدَ، وترى أنَّ اللهَ لَمْ يَخْلقْ بَشَراً غيرَكُم، بلى والله! لقد خَلَقَ اللهُ ألفَ ألفَ عالَم، وألفَ ألفَ آدم، أنتَ في آخرِ تلكَ العوالِمِ وأولئك الآدميين. [ التوحيد : 277، الخصال : 652]. 

أما دعوى عدمِ وجودِ آثارٍ لهذه المخلوقاتِ التي سبقت أبانا آدم ( عليه السلام ) فليست صحيحة ، قال العلامة الفضلي ( رحمه الله ) بعد ذكره الروايةَ المتقدمة : 

(والبحثُ العلميُّ يدلُّنا على حقيقةِ تلكم العوالم، أو يكشفُ لنا على الأقلِّ عن جانبٍ من حقيقة تلكم العوالم، فقد عثرتْ الكُشُوفُ العِلْميَةُ الحديثةُ على هياكلَ بشريةٍ مشابهةٍ لهيكلِ هذا الإنسان الحالي، كانت تعيشُ على الأرضِ قبلَ ملايينَ السنين)). [  أصول البحث : 46 ].

ج س 2: في هذا الموضوع تُوجَدُ عدَّةُ آراء ، وأبرزها اثنان : أنّ الله سبحانه أباحَ زواجَ الأخواتِ في مرحلتِهِ الأولى ثم حرّمَهُ بعد ذلك .  والرأي الثاني يقول إنّ الله أنزلَ حُورِيتَيْنِ من السماء فاقترنَ بهما  ابنا آدم ( عليه السلام ) وحصل التكاثرُ في الخَلْق ، كما تشيرُ إليه هذه الرواية الواردة في " علل الشرائع " عن الإمامِ الصادق ( عليه السلام ) : ( ثمّ أنشأ يحدّثُنا كيفَ كان بدءُ النَّسْلِ من آدمَ وكيفَ كان بدءُ النَّسلِ من ذريته ، فقال : إنَّ آدمَ عليه السلام وُلِدَ له سبعونَ بطنَاً في كُلِّ بطنٍ غُلامٌ وجارية إلى أنْ قُتِلَ هابيل ، فلما قتلَ قابيلُ هابيلَ جَزَعَ آدمُ على هابيلَ جزعاً قطعه عن إتيانِ النّساءِ فبقِيَ لا يستطيعُ أنْ يغشى حوَّاء خمسمائة عامٍ ثم تجلَّى ما به من الجزعِ عليه فَغَشِيَ حوَّاءَ فَوَهَبَ اللهُ له شيتَ وحدَهُ ليس معه ثان ، واسمُ شيث هبةُ الله وهو أولُ من أوصى إليه من الآدميينَ في الأرض ، ثم وُلِدَ له من بعد شيث يافث ليس معه ثانٍ، فلما أدركا وأرادَ اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ يبلُغَ بالنَّسلِ ما تروْنَ وأنْ يكونَ ما قد جرى به القلمُ من تحريمِ ما حرَّم اللهُ عزَّ وجَلَّ من الأخواتِ على الإخوةِ انزلَ بعد العصرِ في يوم الخميس حوراءَ من الجنَّة اسمها ( نزلة ) فأمرَ اللهُ عز وجل آدمَ أنْ يُزوِّجَهَا من شيث فزوَّجَها منه ، ثم أنزلَ بعد العصرِ حوراءَ من الجنة اسمها ( منزلة ) فأمر الله تعالى آدم أنْ يزوِّجَها من يافث فزوَّجَها منه فوُلِدَ لشيث غلام ووُلِدَتْ ليافث جاريةٌ فأمرَ اللهُ عزَّ وجَلَّ آدمَ حين أدركا أنْ يُزوِّجَ بنتَ يافث من ابنِ شيث ففعلَ فوُلِدَ الصفوةُ من النَّبيينَ والمُرْسَلِينَ من نسلهما، ومعاذَ اللهِ أنْ يَكُونَ ذلك على ما قالوا من الاخوة والأخوات ). [ علل الشرائع : 19]

ج س 3 : قال تعالى ( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ ) المائدة : 30، يُستَفادُ من الظهورِ الدلالي للآية الكريمةِ أنَّ موضوعَ  إزهاق الروح مما يدركه الإنسان بغريزته ، وهذا الإدراك ( أو الإحساس الوجداني ) قد يأتيه من  شعورِهِ بالآلام نتيجةَ الجُرُوحِ الصغيرة ونحوها، الذي يعطي دلالةً أكبرَ فيما لو تعدَّت هذه الجُرُوحُ مساحتَها إلى درجةِ الإزهاقِ التام ، وهو ما يُستَفَادُ من طريقةِ قتلِ قابيلَ أخاه هابيل حين شدَخَ رأسَه بحجرٍ فأدماه حتى مات ، كما يذكر ذلك الطبري وغيره ..

أما عن إقامة الحدّ ، فيبدو أنّ الحُدُودَ لم تنزلْ بعدُ في شريعةِ آدم ، وأنَّ تشريعَ الحدود جاء بعد هذه الحادثة ، كما يُستفاد من قوله تعالى بعد  الآية المتقدمة : ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة : 31. 

ج س 4 : لقد اطَّلعَ إبليسُ ( عليه لعنات الله ) على طبيعةِ خَلْقِ آدمَ ، وعلِمَ أنّ له قابليةَ الإغْوَاءِ وذلك من خلالِ الحوارِ الذي أجراهُ اللهُ عزّ وجلّ مع الملآئكة في خَلْقِ آدمَ وجعْلِهِ خليفة ، واعتراض الملآئكةِ على هذا المخلوقِ الذي سيكونُ من طبيعتِهِ الفسادُ وسَفْكُ الدماءِ ، فعرف إبليسُ أنَّ في آدمَ وذُرّيتِهِ الاستعدادَ لذلك .

وَدُمْتُم سَالِمِينَ.