تقوى الله وإدامة التفكر

: السيد مهدي الجابري الموسوي

مِنْ وَصِيَّةٍ للإمام الحسن (عليه السلام) فِي تَقْوَى الله وإدامةِ التَّفَكُّر

قوله: (أوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وإدامةِ التَّفَكُّرِ، فَإِنَّ التَّفَكُّرَ أَبُو كُلِّ خَيْرٍ وَأُمُّه).

الشرح:

إنّ الأساس الّذي تدور عليه سعادة العبد في الدُّنيا والآخِرة هو تقوَى الله سُبحانه وتعالى؛ إذ بِها ينال رفيع المقامات وجليل المنازِل وخيْر المناقِب وشريف المواهِب ، وهذا المعنى جاء فيما روي عن النّبيّ (صلى الله عليه وآله) قوله: ( مَنْ رُزِقَ تُقَىً فَقَدْ رُزِقَ خَيْرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ )(1) ،  فهذا النّصّ يُقرِّر أنّ التّقوَى مِن أعظم النِّعم وهي التّديُّن الحقيقيّ ومنبع الصِّفات الأخلاقيِّة النّبيلة ومِن دونِها لا يُمكِن الفوْز بِالآخِرة ، وكما وصفها أمير المُؤمِنين عليه السّلام بِقوْلِه: ( التُّقَى رَئِيسُ الْأخْلاقِ )(2) ، وهذا كُلُّه مُقررٌ في كِتاب الله عزّ وجلّ ؛ قال الله سُبحانه: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(3).

فعلى العبدِ الحَذَر مِن الإخلال بِهذا المِعيار وانقِلاب الموازينِ عِنده؛ فإنّ أساس الرِّفعة والشّرف وعُلوّ الفضيلة والمنقبة هو تقوى الله عزَّ وجلَّ. 

وإنّ وصيّة الإمام الحسن (عيه السلام) لِشيعته بِتقوَى الله لِهي وصيّة عظيمة جمعت حُقوق الله وحُقوق الخلق ، وهي وصيّة الله لِلأوّلين والآخرين قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ)(4) ، وقال سبحانه: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)(5) ، وهذا أمر مِنه تعالى بِأنْ يُتّقى جميع معاصيِه ، ويُجتَنب جميع محارِمِه ؛ لِأنّ إليه الرُّجوع في الوَقت الّذي لا يملِك أحد فيه الضّرر والنّفع سِواه ، وهو يوم القيامة ، فيُجازي المُحسِن بِإحسانِه ، والمُسيء بِإساءتِه(6).

 وقال عزّ وجلّ: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)(7) ، فما معنى التقوى في اللغة؟

 

تعريف مفهوم التقوى لغة واصطلاحاً: 

التّقوَى مشتقّة من وقى وهو بِمعنى الحِفظ والصّيانة والمُحافظة على الشّيْء. والوِقايَة: حِفظ الشيء مِمّا يؤذيه ويَضُرُّه. يُقال: وقيْت الشيء أقيه وِقايَة ووِقاء. قال تعالى: (فَوَقَاهُمُ اللهُ )(8)، وقال تعالى: ) وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ((9)، وقال تعالى: ) وَمَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ وَاقٍ ((10)، وقال تعالى: ) مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ((11)، وقال تعالى: ) قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ((12) والتّقوَى : جَعل النّفس في وِقايَة مِمّا يخاف . والخوْف تارة يسمّى تقوَى، وتارة التّقوَى تسمّى خوْفا، حسب تسميَة مُقتضي الشّيْء بِمُقتضيِه، والمُقتضى بمقتضاه(13).

إذَنْ التّقوَى لُغة تعني الحذَر، فتقوَى الله تعني الحذَر والخوف مِن الله، والحذَر مِن الله يعني اتِّباع ما يُرضيه واجتِناب ما يُسخِطُه، وهذِه هي التّقوَى حسب المُرتكَزات الشّرعيّة. فالتّقوَى تعني ‏ الإتيان بِما يُصلح الإنسان مِن خِلال الالتزام بِأوامر الله، والامتِناع عمّا يضُرّ الإنسان مِن خِلال الانتِهاء عن نواهيِه؛ فإن طاعة الإنسان لله عزّ ذِكرُه مِن حيْث الأوامر تُساعِدُه على الانتِهاء عن النّواهي، والعكس كذلِك.

التقوى على لسان المعصومين (عليهم السلام):

اعلَمْ أنَّ التّقوَى مُترتِّبة على الإيمان بِالله سُبحانه وبِاليَوْم الآخر، وهذا المعنى جاء واضحاً في الآيَة الكريمة: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)(14). وقد اهتم الإسلام بِهذا المفهوم اهتماماً ملحوظاً وفي عِدّة مجالات؛ وقد أشار النبي(صلى الله عليه وآله) إلى بيان هذا المفهوم لمّا قرأ الآية: ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)(15) قَالَ (صلى الله عليه وآله): مِنْ شُبهَاتِ الدُّنْيا ، وَمِنْ غَمرَاتِ الموْتِ ، وَشدائد يَوْمِ الْقِيَامَةِ )(16).

وجاء تفسير التقوى في قول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالِب (عليه السلام)، قال: (هِي الْخَوْفُ مِنَ الْجَلِيلِ، وَالْعَمَلُ بِالتَّنْزِيلِ، وَالْقَنَاعَةُ بِالْقَلِيلِ، والاستعداد لِيَوْمِ الرَّحِيلِ).

 وعنه أيضاً (عليه السلام) قوله: (المُتّقي مَنْ اتّقى الذُّنوب)(17) ، وعنه (عليه السلام) : (عِنْدَ حُضُورِ الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ يَتَبَيَّنُ وَرَعُ الْأتقياءِ )(18) ، وعنه أيضاً (عليه السلام) : (رَأْسُ التَّقْوَى تَركُ الشَّهْوَةَ )(19).

وعن الإمامِ الباقِر (عليه السلام): (إِنَّ أَهل التَّقْوَى هُمُ الْأَغْنِيَاءُ، أَغَناهُمُ الْقَلِيلُ مِنَ الدُّنْيا فَمَؤُونَتُهُمْ يَسِيرَةٌ)(20). 

وعن الإمام الصّادِق (عليه السلام) لمّا سُئِل عن تفسير التّقوَى، فقال: (أنْ لَا يَفْقِدكَ الله حَيْثُ أَمْرَكَ، وَلَا يراك حَيْثُ نَهَاكَ )(21).

وعنه أيضاً (عليه السلام): (مَنْ أَخْرَجَهُ الله مِنْ ذُلِّ الْمَعَاصِي إِلَى عِزِّ التَّقْوَى، أَغَناهُ الله بِلَا مَالٍ، وَأَعَزَّهُ بَلَا عَشِيرَةٍ، وآنَسَهُ بِلَا بَشَرٍ)(22).

فحقيقة التّقوَى: أن يجعل العبد بيْنه وبيْن من يخافُه ويَحذَره وِقايَةً يتّقي مِنه، فتقوَى العبد لِربّه أن يجعل بيْنه وبيْن غضب الله وسُخطُه وِقايَة مِن الأقوال والأفعال تقيّة مِن ذلِك. ويَدخُل في التّقوَى الكامِلة فعل الواجِبات وترُك المُحرّمات والشُّبهات وفِعل المُستحبّات وترُك المكروهات وذلِك أعلى درجات التّقوَى.

ومِن هُنا تبرُز أهمّيّة إيصاء الإمام الحَسَن (عليه السلام) شيعته بِتقوَى الله عزّ وجلّ بُقولِه: (أوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ ... ) لِتَرتُّب التّقوَى على الإيمان بِالله سُبحانه وبِاليَوْم الآخر ، ووِقايَتِها لمِن اِتّصف بِها مِن شُبهات الدُّنيا وغمرات الموْت وشدائد يوْم القيامة ، ولكوْنها باعِثة على مخافة الله عزّ وجلّ وعلى العمل بِما أُنزِل على النّبيّ المُرسل (صلى الله عليه وآله) ولِأنّها تبعث على القناعة وتمنع الغفلة عن الاستِعداد ليَوْم الرّحيل ، فضلاً عن وِقايَتِها العبد مِن اقتِراف الذُّنوب وردعِها عن اِتِّباع الشّهوات ، وبِكلِمةٍ جامِعةٍ يصِفُها أمير المُؤمِنين (عليه السلام) بُقولِه: (التُّقَى رَئِيسُ الْأخْلاقِ )(23).

هذا كُلُّه فيما يخُصّ مفهوم التّقوَى، ثُمّ يقول الإمام الحَسن (عليه السلام) بعد ذلِك: (... وإدامةِ التَّفَكُّرَ ...).

وهُنا قد تُثار عِدّة تساؤُلات هي في الحقيقة بِمكان مِن الأهميِّة، وهي كالآتي: هل التّقوَى هي الباعِث على التّفكُّر أو العكس؟

وإذا كان الباعِث على تقوَى الله عزَّ وجلّ هو التّفكُّر فهل هو مُطلق التّفكُّر او التّفكُّر بِحُدودٍ قد حُدّتْ مِن قِبَل الشّريعة الغرَّاء؟ ومتى يأتي دوْر التّفكُّر؟ بعد معرِفة الله سُبحانه وتعالى أو أنّه هو الطّريق الموصِل إلى معرِفة الله عزَّ وجلّ؟

 وقبل الإجابة على هذِه التّساؤُلات لابدَّ لنا مِنْ بيان معنى التّفكُّر لُغةً واِصطِلاحاً، ثمّ تأتي الإجابة على ذلِك تِباعاً.

التّفكُّر:

التّفكُّر لُغة: مأخوذ مِن - فكر – الّتي تدُلّ كما يقول ابن فارِس: على تردُّد القلب في الشّيْء، يُقال تفكَّر إذا رَدَّد قلبه مُعتبراً، ولفظ التّفكُّر مصدر لتفكَّر. وجاء في لِسان العرب: الفِكر والتّأمُّل وإعمال الخاطِر في الشّيْء.

 وقال بعض المحققين: إنّ الأصل الواحد في المادّة هو تصرّف القلب وتأمّل منه بالنظر إلى مقدّمات ودلائل ليهتدي بها إلى مجهول مطلوب. وقريب منه ما يقول السبزواري: الفكر حركة إلى المبادي ومن المبادي إلى المراد(24).

ولعلك تسأل عن الفرق بين التفكر والتدبر؟ الفرق هو انَّ الأخير يعني تصرف القلب بالنظر في العواقب، والتفكر تصرف القلب بالنظر في الدلائل.

وربما تسأل ثانياً عن الفرق بين النظر والتأمّل؟ الفرق بينهما هو: أنّ التأمّل هو النظر المؤمّل به معرفة ما يطلب، ولا يكون إلا في طول مدة، فكلُّ تأمّلٍ نظر وليس كلُّ نظرٍ تأمّلاً.

وأصل النظر: المقابلة، فالنظر بالبصر هو إقبال نحو المُبصَر، والنظر بالقلب هو إقبال بالفكر نحو المُفكَّرِ فيه، والنظر بالأمل هو إقبال نحو المأمول. 

وإذا قُرن النظر بالقلب فهو الفكر في أحوال ما ينظر فيه، وإذا قُرن بالبصر كان المراد به تقليب الحدقة نحو ما يلتمس رؤيته مع سلامة الحاسّة(25) .

ومطلق التفكر كما في قوله سبحانه: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )(26) يراد به جولان النظر القلبي في موضوع معين مادياً كان أو معنوياً؛ ليصل إلى ما هو مطلوب له ويهتدي إليه.

فالنتيجة المطلوبة الحقّة في أيّ موضوع : إنّما تتحصّل بالتفكُّر ، حتّى أنّ نزول الآيات والاستنتاج منها متوقفة على التفكُّر الدقيق، قال تعالى: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )(27) ، ثمّ النظر بالبصر كما أنّه يتوقّف على قوّة الباصرة وانتفاء الموانع من الإحساس ، كذلك النظر بالقلب وجولانه يحتاج إلى نورانيّة في البصيرة ووجود قوّة الإدراك فيه ، وانتفاء الموانع والحجب من تعصّب وأغراض نفسانيّة وأمراض قلبيّة وكدورات باطنيّة، فالتفكُّر تختلف مراتبه على حسب مراتب البصائر شدّة وضعفاً ، إلى أن يصل إلى مرتبةٍ يُعادل التفكُّر في ساعة عبادة سنوات(28).

ومِن جميع ما تقدم نُدرِك أنّ التّفكُّر عمل قلبي مُستمِرّ ، مناطُه العقل؛ لقوله عزّ وجلّ: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)(29) ، فالتفكر عمليّة تمارس بالقلب والعقل وتشترك فيها الحواس، لا تُقصد بذاتها وإنّما بِما يُحصِّلُه المرء مِنها ، وهو معرفة الحقائق الباعثة على العمل والطّاعة ، ولذلك فسر الشيخ الطوسي(رحمه الله) قوله تعالى :  (وَأَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُـزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(30) بأن هذه الآية دلالة على أن الله تعالى أراد من جميعهم التفكر والنظر المؤدي إلى المعرفة(31).

فالتفكر مآله الطاعة والتسليم والانقياد لله رب العالمين، وإلا فلا فائدة منه.

واصطلاحاً: هو سير الباطن من المبادئ إلى المقاصد ، والمبادئ : هي آيات الآفاق والأنفس ، والمقصد : هو الوصول إلى معرفة موجدها ومبدعها والعلم بقدرته القاهرة وعظمته الباهرة ، ولا يمكن لأحد أن يترقى من حضيض النقصان إلى أوج الكمال إلا بهذا السير ، وهو مفتاح الأسرار ومشكاة الأنوار ، ومنشأة الاعتبار ومبدأ الاستبصار ، وشبكة المعارف الحقيقية ومصيدة الحقائق اليقينية ، وهو أجنحة النفس للطيران إلى وكرها القدسي ، ومطية الروح للمسافرة إلى وطنها الأصلي ، وبه تنكشف ظلمة الجهل وأستاره وتنجلي أنوار العلم وأسراره ، ولذا ورد عليه الحث والمدح في الآيات والأخبار(32).

فأما الآيات فهي كالآتي: 

 قوله سبحانه : ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ )(33) ، وقوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ )(34) ، وقوله تعالى : ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ )(35) ، وقوله تعالى : ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ )(36) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ )(37) ، وقوله تعالى : ) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ((38)، وقوله تعالى: )الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ((39).

وأما الأخبار فهي كالآتي:

قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ) التفكر حياة قلب البصير ((40)، وقوله (صلى الله عليه وآله): )فكرة ساعة خير من عبادة سنة، ولا ينال منزلة التفكر إلا من خصه الله عز وجل بنور التوحيد والمعرفة((41)، وقوله (صلى الله عليه وآله): ) أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته ((42)، والمراد من التفكر في الله في قوله (صلى الله عليه وآله)  هو التفكر في قدرته سبحانه وتعالى  وفي صنعه وعجائب أفعاله وفي مخلوقاته وغرائب آثاره ومبدعاته ، لا التفكر في ذاته عزّ وجلّ ، لتوارد الأخبار في المنع عنه ، معللاً بأن التفكر في ذاته سبحانه يورث الحيرة والدهشة واضطراب العقل.

القرآن الكريم والحث على التفكر

ورد لفظ التفكر في غير موضع من آيات القرآن الكريم، منها:

الحث على التفكر في سياق ضرب الأمثال ، والمعلوم أن ضرب المثل يعدُّ من الوسائل الاستدلالية والبرهانية، فاستعمله القرآن الكريم لتقرير الحقائق الدينية، لذلك نجد في بعض الآيات الشريفة التي ضرب الله سبحانه فيها الأمثال مذيلة بالحث على التفكر فيما تقدمها من مثلٍ، يقول الحق تعالى:) وَتِلْكَ الْاَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون)(43) ، فهذه الآية أفادت أن المثل بذاته ليس هو المقصود، وإنما هو وسيلة للتوصل إلى مقصد آخر يصعب الوصول إليه إلا بالتفكر والتدبر ، فناسب ذلك التعقيب في آيات الأمثال استعمال مفردة التفكر والحث على أعماله.

 آيات الأمثال التي عُقّبتْ بالتفكر: 

قوله سبحانه: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(44).

وقوله تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )(45).

آيات حوار الأنبياء مع أقوامهم:

وورود الحث على التفكر في سياق حوار الأنبياء مع أقوامهم، ودعوتهم إياهم لعبادة الله وحده، والتفكر في هذه المواطن مطلوب، ذلك أن دعوة الأنبياء بنيت على أساس من البرهان يروم لفت النظر إلى مجموعة من الحقائق، منها حقيقة النبوة وطبيعة النبي التي لا تفارق في شق منها الطبيعة البشرية: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ )(46). 

ثم لا يخفى عليك أن حقيقة النبوة من الحقائق العقائدية الكبرى التي تستلزم التفكر، لذا فإن الناس لو تفكروا قليلاً في دعوات الأنبياء لما حادوا عن اتباعهم وانحرفوا عن منهجهم، وقد شدد الله عزّ وجلّ في القرآن الكريم وفي عدة مواضع وفي مواقف مختلفة على مسألة التفكر وكيف أعرض الناس عن الأنبياء لتركهم هذا الأمر فقال عزّ من قائل: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)(47) ، وقال سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ )(48).

فالناظر في مفهوم التفكر من خلال هذه الآيات، يلحظ أن التفكر هو بحق طريق الإيمان والاعتقاد الصحيح بالله عزّ ذكره وبآياته وبرسله.

بعد أن اتضح ما تقدم، آن أوان الإجابة على تلك التساؤلات واحداً تلوَ الآخر:

هل التّقوَى هي الباعِث على التّفكُّر أو العكس؟

وإذا كان الباعِث على تقوَى الله عزَّ وجلّ هو التّفكُّر فهل هو مُطلق التّفكُّر او التّفكُّر بِحُدودٍ قد حُدّتْ مِن قِبَل الشّريعة الغرَّاء؟ 

جوابه: يُعدُّ التفكر أوّل شرط من شروط مجاهدة النفس، وبه يوقن الإنسان أنه لا خالق إلا الله كما في قوله عزّ ذكره: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(49)، فالتفكر في حقيقة الأمر تسخير العقل وتصحيح إرادة الإنسان من الجانب الخلقي فضلاً عن تقويته أصول التقوى في النفس، الأمر الذي يؤدي إلى تقويم الأفعال وتشذيب السلوك، والعبادة الحقة هي ما كانت بتحريك من العقل، فالتفكر في الطبيعة والخلقة وفي قصص الأمم السالفة والأحداث التاريخية باعث على إحياء العقل وإنعاشه فيؤدي إلى استقامة الإنسان وعدم انحرافه وانحطاطه وترديه واتباع شهواته، فاتباع الشهوات يشعر بعدم الانصياع لما أكد عليه القرآن الكريم والسنة المطهرة من التفكر في آيات الله عزّ وجلّ، وعدد من هذه الآيات جاء في تعداد نعم الله عزّ وجلّ وما سخره للإنسان في هذه الأرض من وسائل الحياة، كما في قوله سبحانه: ( وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(50).

وفي قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )(51).

وفي قوله سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )(52).

وفي قوله سبحانه: (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )(53).

وفي قوله سبحانه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )(54).

وفي قوله سبحانه: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )(55).

وقوله سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )(56).

فالتفكر باعث على التقوى، والتقوى لها الاثر البالغ في دوام التفكر وادامته.

وبالجملة فإن إدمان التفكر عبادة وأصل لجميع العبادات وهو أفضلها، وهذا المعنى هو المقصود في قول الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام): ( أوصيكم بتقوى الله وإدامة التفكر ... )(57) ، وقريب منه ما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله: (أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته)(58)، فلا ريب إذن في أن التفكر في الله وفي قدرته يعدّ أعظم العبادات قدراً وأشرفها أثراً وأفخمها رتبة وأرفعها منزلة ، ولذلك وقع الأمر به في آيات متكاثرة وروايات متضافرة لما له من آثار شريفة ولوازم منيفة كلها عبادات عظيمة كمعرفة الله وعظمته وعلمه وقدرته واحتقار الدنيا والإعراض عن مغرياتها ومعرفة الجنة ودرجاتها ومعرفة النار ودركاتها والانقطاع إلى الله سبحانه وتفريغ القلب له .

وعن سؤال: هل الأمر بالتفكُّر الوارد في الآيات والروايات هو مُطلق التّفكُّر أو التّفكُّر بِحُدودٍ قد حُدّتْ مِن قِبَل الشّريعة الغرَّاء؟

نجيب: ليس المراد مطلق التفكر فيشمل حقيقة الذات المقدسة وحقيقة قدرته وسائر صفاته ؛ إذ معرفتها والتفكر فيها خارج عن قدرة البشر ولا يصل إليها العقل، والتفكر فيها يؤدي إلى الضلال المبين والإلحاد في الدين بل المراد به التفكر في آيات صنع الله وآثار قدرته ؛ فإن التفكر فيها وفي عظمتها يدل على عظمة الصانع وكمال قدرته ، ومما يدل على ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (إياكم والتفكر في الله ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه )(59) وما رواه حسين بن المياح عن أبيه قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( من نظر في الله كيف هو، هلك )(60).

ومنه تعرف أن التفكر على قسمين: تفكر في الخلق وهو مما حرصت الشريعة الإسلامية على الحث على إدمانه وإدامته.

وتفكر في الخالق وهذا مما ورد المنع عنه لاقتضائه الهلاك كما ورد في كلام الإمام الصادق (عليه السلام) المتقدم في الرواية آنفة الذكر.

وعن السؤال: متى يأتي دوْر التّفكُّر؟ بعد معرِفة الله سُبحانه وتعالى أو أنّه هو الطّريق الموصِل إلى معرِفة الله عزَّ وجلّ؟

نجيب: أنه غالباً ما يأتي في ذيل الآيات المسخرات الحث على التفكر، وكأنه وسيلة موصلة إلى فهم طبيعة هذه الآيات التكونية التي تفضي إلى حقيقة واحدة وهي أن وراء هذا الكون المُسخَّر إله واحد يستحق من العبد الثناء عليه والشكر له على جميع المسخرات، وأول مراتب الشكر: العبادة، وهناك حقيقة أخرى تتلو ما أفضت إليه الحقيقة الأولى، وهذه الحقيقة هي عدم عبثية خلق العالم الدنيوي، وهذه حقيقة نطق بها القرآن الكريم على لسان المتفكرين من المؤمنين : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )(61) ، فدلت هذه الآية على أن عالم الدنيا ما هو إلا مطية الخلق إلى العالم الحقيقي، كما جاءت آية أخرى تؤكد هذه الحقيقة لكن في سياق استنكار فعل الغافلين عن الآخرة: ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْاَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ)(62) ، فقد أرشد سبحانه في هذه الآية الشريفة إلى طريق العلم واليقين به ، وهو التفكر في خلق الكون بأرضه وسمائه ، وما فيهما من تدبير وإحكام وتنسيق بين أجزائه وكلياته، ومنه تعرف أن التفكير العلمي الرصين هو الطريق إلى معرفة الله سبحانه وتعالى من خلال التفكر في خلقه وتدبر عظمته، فحقيق به أن يكون أفضل صنوف العبادة وأرقى وسائل التكامل الذاتي للإنسان.

ثم يقول الإمام المجتبى (عليه السلام): (... فَإِنَّ التَّفَكُّرَ أَبُو كُلِّ خَيْرٍ وَأُمُّهُ).

وهذا وصف في غاية الدقة وطرح لنتيجة جمعت بين أكنافها كل القيم الإنسانية حيث بدأ الإمام (عليه السلام) كلامه بقوله: (أوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وإدامةِ التَّفَكُّرِ)، ثم أتمَّ (عليه السلام) بكلمة جمعت ما تضيق عنه المجلدات بقوله: (فَإِنَّ التَّفَكُّرَ أَبُو كُلِّ خَيْرٍ وَأُمُّهُ)، فالأب هنا يعني الأصل والأم كذلك، فيكون المعنى أن التفكر أصل لكل خير، وكل خير متفرع عنه، كيف لا؟ وهو مفتاح الأسرار ومشكاة الأنوار، ومنشأة الاعتبار ومبدأ الاستبصار، وشبكة المعارف الحقيقية ومصيدة الحقائق اليقينية، وهو أجنحة النفس للطيران إلى وكرها القدسي، ومطية الروح للمسافرة إلى وطنها الأصلي، وبه تنكشف ظلمة الجهل وأستاره وتنجلي أنوار العلم وأسراره وهو الطريق الموصل إلى معرفة الله عزّ وجلّ ووسيلة النجاة والسعادة في القيامة والسبيل إلى معرفة حقائق التكوين وأسرار التشريع والأساس في تطور وتكامل البشرية.

 

خلاصة الكلام:

قَالَ الإمام المجتبى(عليه السلام): ( أوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وإدامةِ التَّفَكُّرِ ، فَإِنَّ التَّفَكُّرَ أَبُو كُلَّ خَيْرٍ وَأُمُّهُ)، فهذه وصيّة عظيمة جمعت حُقوق الله وحُقوق الخلق ، وهي وصيّة الله لِلأوّلين والآخرين، قال سبحانه: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ((63)؛ وما ذاك إلا لِتَرتُّب التّقوَى على الإيمان بِالله سُبحانه وبِاليَوْم الآخر ، ووِقايَتِها لمِن اتّصف بِها مِن شُبهات الدُّنيا وغمرات الموْت وشدائد يوْم القيامة ، وإن إدمان التفكر عبادة لأنه أصل لجميع العبادات وهو أفضلها، والتقوى لها الأثر البالغ في دوام التفكر وإدامته، وهذا المعنى هو المقصود في قول الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) ، فالتفكر تسخير للعقل وتصحيح لإرادة الإنسان من الجانب الخلقي فضلا عن تقويته اصول التقوى في النفس، الامر الذي يؤدي إلى تقويم الأفعال وتشذيب السلوك، والعبادة الحقة هي ما كانت بتحريك من العقل، وبذلك يكون التفكر أصل لكل خير، وكل خير متفرع عنه، فهو السبيل إلى معرفة حقائق التكوين وأسرار التشريع والأساس في تطور وتكامل البشرية  . 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - ميزان الحكمة ، 4 : 3624 .

(2) - بحار الأنوار، 67 : 284 .

(3) - سورة الحجرات: آية 13 .

(4) - سورة النساء : آية 131 .

(5) - سورة المائدة : آية 96 .

(6) - زبدة التفاسير- فتح الله الكاشاني – 2 : 327 .

(7) - سورة آل عمران : آية 131 .

(8) - سورة الإنسان: آية 11 .

(9) - سورة الدخان: آية 56 .

(10) - سورة الرعد: آية 34 .

(11) - سورة الرعد: آية 37 .

(12) - سورة التحريم: آية 6 .

(13) - ينظر: المفردات في غريب القرآن – للراغب الأصفهاني – 881 .

(14) - سورة البقرة : 1 – 3 .

(15) - سورة الطلاق: آية 2 – 3 .

(16) - بحار الأنوار، 67 : 281 .

(17) - ميزان الحكمة – للريشهري – 4 : 3638 .

(18) - مستدرك الوسائل – للنوري – 11 : 346 .

(19) - المصدر نفسه، 11 : 344 .

(20) - بحار الأنوار، 75 : 166 .

(21) - بحار الأنوار – العلامة المجلسي – 67 : 285 .

(22) - المصدر نفسه، 66 : 406 .

(23) - المصدر نفسه، 67 : 284 .

(24) - ينظر: التحقيق في كلمات القرآن – للمصطفوي – 9 : 126 .

(25) - ينظر : الفروق اللغوية – لابن هلال العسكري - ، 74 – 75 بتصرف.

(26) - سورة النحل: آية 44 .

(27) - سورة البقرة: آية 219 .

(28) - ينظر: التحقيق في كلمات القرآن، 9 : 127 .

(29) - سورة آل عمران : آية 191 .

(30) - سورة النحل: آية 44 .

(31) - مجمع البيان، 6 : 159 .

(32) - جامع السعادات – للنراقي – 1 : 161 .

(33) - سورة الروم : آية 8 .

(34) - سورة الأعراف : آية 185 .

(35) - سورة الحشر : آية 2 .

(36) - سورة العنكبوت : آية 20 .

(37)- سورة آل عمران : 190 .

(38) - سورة الذاريات : آية 20 – 21 .

(39) - سورة آل عمران : آية 191 .

(40) - وسائل الشيعة ، 6 : 171 .

(41) - بحار الأنوار، 68 : 326 .

(42) - جامع السعادات، 1: 161، (روى هذه الأحاديث في الكافي في (باب التفكر) عن أبي عبد الله (عليه السلام)) من هامش الكتاب .

(43) - سورة الحشر: آية 21 .

(44) - سورة يونس: آية 24 .

(45) - سورة الأعراف : 176 .

(46) - سورة الأنعام : آية 50 .

(47) - سورة الأعراف : آية 184 .

(48) - سورة سبأ : آية 46 .

(49) - سورة الجاثية: آية 12 – 13 .

(50) - سورة الرعد: آية 3 .

(51) - سورة الجاثية: آية 13 .

(52) - سورة الروم: آية 21 .

(53) - سورة الزمر: آية 42 .

(54) - سورة البقرة: آية 219 .

(55) - سورة البقرة: آية 266 .

(56) - سورة النحل: آية 10 – 12 .

(57) - تنبيه الخواطر، 60 .

(58) - الكافي، 2 : 55 .

(59) - الكافي، 1 : 93 .

(60) - المصدر نفسه.

(61) - سورة آل عمران: آية 191 .

(62) - سورة الروم: آية 7 .

(63) - سورة النساء : آية 131 .