نقد نظرية النشوء والارتقاء

: الشيخ ليث العتابي

لقد كثر الكلام عن نظرية النشوء والارتقاء وما يتعلق بها، وهنا لا بد أن نقف على ماهية (نظرية التطور) أو (نظرية النشوء والارتقاء) التي اشتهرت باسم مخترعها (داروين) والتي نادى بها دعاة المذهب اللاديني وغيرهم حتى حال الحاضر.

لقد زعم البعض بأن فكرة التطور كانت نتيجة لدراسة (فكرة النشوء في علم الحياة) والتي دعى إليها الطبيب الفرنسي (لامارك)(1) في كتابه ( التاريخ الطبيعي للحيوانات اللافقرية ) عرض فيه لقضية تطور الأحياء، و بين طريق التطور، ولكنه عجز عن بيان الصلة بين أنواع الأحياء، كما عجز عن بيان العوامل التي أدت إلى التطور.

ثم جاء بعد ذلك الإنكليزيان (تشارلز داروين)، و (ولاس) ليكملا نظرية (لامارك)، و في عام (1842 م) نشر داروين رسالة موجزة عما سماه بـ(نظرية النشوء و الارتقاء) فتلقفها دعاة البوهيمية و أحدثوا حولها ضجة ملأت أرجاء العالم، و لا زالت لها بقايا حتى يومنا هذا في عقول البعض(2).

في الحقيقة اننا لو دققنا بهذه الفكرة لوجدناها عبارة عن تصوير لما ورد في (أسفار الفيدا) الهندية عن أصل الخليقة ولكن بشكل معكوس، مع إضافة بعض التعديل والتغيير والترتيش عليها.

إن فكرة (النشوء والارتقاء) تزعم بأن تطور الخليقة بدأ من الأدنى ( الرواشح والديدان والحشرات ) إلى الأعلى ( القرد )، ثم ( القرود العليا )، ثم ( الإنسان الأول )، كل ذلك بعيداً عن وجود خالق.

لقد عجز (داروين) عن إيجاد حلقة تربط الزواحف بالطيور، كما فشل في إيجاد مثل هذه الحلقة بين القرد و الإنسان، فما كان إلا اللجوء للتزوير(3).

إن هناك كلام يُنقل بأن داروين لم يكن ملحداً، ولم يقل بالمصادفة، بل أراد من خلال نظريته أن يقول: (إن الخلق جميعاً نشأ من أصل واحد).

لكن ـ وبحسب من يقول بذلك ـ استُغلت هذه النظرية من قبل الملاحدة الماديون بعد أن تبنّوها، وأخذوا يدافعون عنها، ومن أشهرهم العالم البيولوجي الألماني ( أرنست هيجل ) إذ قام هذا الشخص بتزوير عدة نماذج أحيائية لإثبات نظرية النشوء والارتقاء وذلك عندما رأى أن صورة الأجنة لا تتطابق تماماً مع نظرية التطور، فقام بعمليات ( ترتيش ) وحذف في صورة الأجنة البشرية لكي يطابقها مع النظرية التي يتزعمها، لكن أحد العلماء أكتشف عملية التزوير، وأعلنها في الصحف، وتحدى ( هيجل ) في ذلك، فما كان من ( هيجل ) إلا أن يعترف بهذه الجريمة بعد فترة صمت وتردد، وذلك في مقالة كتبها في ( 14 ـ 12 ـ 1908 ميلادي ) قال فيها: ( إن ما يُعزيه هو أنه لم يكن الوحيد الذي قام بعملية تزوير لإثبات صحة نظرية التطور، بل إن هناك المئات من العلماء والفلاسفة قاموا بعمليات مماثلة من التزوير لإثبات هذه النظرية ... )(4).

وإلى رد مثل هكذا نظرية يشير السيد الطباطبائي بقوله: ( إن النوع الإنساني، ولا كل نوع إنساني، بل هذا النسل الموجود من الإنسان ليس نوعاً مشتقاً من نوع آخر حيواني أو غيره حولته إليه الطبيعة المتحولة المتكاملة، بل هو نوع أبدعه الله تعالى من الأرض، فقد كانت الأرض وما عليها والسماء ولا إنسان، ثم خلق زوجان أثنان من هذا النوع وإليهما ينتهي هذا النسل الموجود ... وأما ما أفترضه علماء الطبيعة من تحول الأنواع، وأن الأنسان مشتق من القرد، وعليه مدار البحث الطبيعي اليوم، أو متحول من السمك على ما أحتمله بعض، فإنما هي فرضية، والفرضية غير مستندة إلى العلم اليقيني، وإنما توضع لتصحيح التعليلات والبيانات العلمية، ولا ينافي اعتبارها اعتبار الحقائق اليقينية، بل حتى الإمكانات الذهنية، وإذ لا اعتبار لها أزيد من تعليل الآثار، والأحكام المربوطة بموضوع البحث ... )(5).

كما ويقول العالم الفرنسي موريس بوكاي: (ثم طرأت العاصفة الداروينية التي، بتعد مبدئي واضح من قبل أنصار عالم الطبيعة الإنكليزية، قد استكملت، وذلك بتطبيقهم على الإنسان، تطوراً حيث أن أدلتهم بالشمول لم يكونوا قد برهنوا عنها بعد عند الحيوان. وزعموا في ذلك العصر، وبطريقة تجاوز الحد، بأنهم يملكون الدليل على انحدار الإنسان من سلالة القرود، وهذا الدليل الذي لا يقدمه أي علم صادق للإحاثة حتى ولا في ايامنا هذه، لا شك بأن ثمة فارقاً كبيراً بين تصور أصل الإنسان من القرد غير المدعوم كلياً، وبين تحولات الشكل البشري عبر التاريخ المثبتة بكل دقة. وقد بلغ الغموض ذروته عندما نضع بحماقة كبيرة، مزيجاً من تصورين لكلمة واحدة وهي " التطور ". هذا الغموض المؤسف حمل البعض على التصور، وهو خطأ بالتأكيد، بأنه إذا كانت الكلمة الملفوظة تتعلق بالإنسان، فذلك يعني " حكماً " بأننا ننسب أصله إلى السلالة القردية )(6).

نعم، إن بعض الحفريات التي تمت في مجال (الحفريات البشرية) والذي يعتبر أحد فروع الأنثروبولوجيا العضوية قالت: إن الإنسان القديم والذي كان يعيش على هذه الأرض منذ ما يقارب من نصف مليون سنة، كان يختلف عن الإنسان الحالي، حيث كان أكبر حجماً وأقوى بنية، وهذا ما أثبته القرآن الكريم في العديد من آياته.

قال تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) سورة الروم، الآية (9).

وقال تعالى: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً) سورة التوبة، الآية (69).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لامارك (1744 ـ 1829 م).

(2) فلسفة الخليقة، كاظم ناصر الحسن، ص 111.

(3) يراجع لذلك: تهافت نظرية داروين لأورخان محمد علي، ونظرية التطور هل تعرضت لغسيل دماغ للبروفيسور داون. ث. كيس، ونظرية التطور ليست ثابتة لأورخان محمد علي، ونقد نظرية داروين للشيخ رضا الأصفهاني، و الردود الكثيرة لعلماء الشيعة على هذه النظرية و كل ما يتعلق بها.

(4) تراجع الكتب التي ذكرناها مسبقاً.

(5) الجواهر النورانية، السيد الطباطبائي، أعداد وجمع رضوان سعيد فقيه، ص 229.

(6) أصل الإنسان بين العلم والكتب السماوية، موريس بوكاي، ترجمة فوزي شعبان، ص 185.