أسئلةٌ متنوّعةٌ عن التَّقليدِ والعلماء.

مصطفى: السَّلامُ عليكم، أثارَ أحدُ الإخوةِ عددَاً منَ الشُّبهاتِ حولَ قضيَّةِ التَّقليدِ أرجو التَّفضُّلَ بالإجابةِ عليهَا من أجلِ إيصالِ الجَوابِ لهُ وهيَ كالآتِي:  أوَّلاً: قولُ الإمامِ المَهديِّ عليهِ السَّلامُ أنَّ الخُمسَ قَدْ أُبيحَ لشيعتِنَا إلى حينِ الظُّهورِ، اذن لماذا يدفعُ الشِّيعةُ الخُمسَ. ثانياً: هل صحيحٌ أنَّ كبارَ مراجعِ الشِّيعةِ مِثلَ السّيّدِ الخوئي والسّيّدِ السِّيستاني يُضعِّفونَ الرِّوايةَ الواردةَ عن الإمامِ بقَولهِ: (أمَّا الحوادثُ الواقعَةُ فارجعوا فيهَا إلى رواةِ حديثِنَا فإنَّهُمْ حُجَّتِي عليكُمْ وأنا حجَّةُ الله)، وإذا كانوا قد ضعَّفُوهَا فما الدَّليلُ على نيابتِهِم للإمام؟  ثالثاً: ما المقصودُ مِنَ الرِّوايةِ الواردةِ عنِ الإمامِ الصَّادقِ: (اعداؤُهُ مُقلِّدَةُ الفقهاء)؟  رابعاً: إنَّ العلماءَ الأصوليينَ يعتمدونَ فِي استنباطِ الفَتوى على الكِتابِ والسُّنَّةِ والعقلِ والإجماعِ، فاذا كانوا يستخدمونَ العقلَ على أساسِ النَّصِّ فِي هذهِ الحالةِ مَا فرقُهُمْ عنِ الإخباريِّينَ الذينَ يعتمدونَ الكتابَ والسُّنَّةَ فقط؟ ومَا المقصودُ بالإجماعِ؟  وشُكراً لكُم

: اللجنة العلمية

الأخُ مصطفى المُحترمُ، عليكمُ السَّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ 

جوابُ السُّؤالِ الأوَّلِ: فِي البدءِ ينبغِي أنْ نعرفَ أنَّه ليسَتْ كُلُّ روايةٍ موجودةٍ فِي كتبنَا الرِّوائيّةِ هِيَ حُجّةٌ وينبغِي العملُ بهَا مِنْ دونِ نظرٍ إلى الرِّواياتِ الأخرى الواردةِ عنْ أئمّتنَا (عليهمُ السَّلام)، فالرِّوايةُ الحُجَةُ عندَ الشِّيعةِ الإماميّةِ هيَ الرِّوايةُ الصَّحيحةُ السَّندِ والتي لا تُخالِفُ القرآنَ الكريمَ، ولا تخالفُ العقلَ القطعيَّ، ولا تخالفُ الحقائقَ العلميَةَ الثّابتةَ، ولا تُخالِفُ المُسلّماتِ فِي الشّريعةِ، ولا تُخالِفُ ثوابتَ المذهبِ، ولا تكونُ صادرةً للتقيّةِ، ولا تكونُ معارضةً لروايةٍ أُخرى منَ الرِّواياتِ الصَّحيحةِ عندَنَا، وإذا كانَ لهَا معارضٌ، فهل هُوَ منَ النّوعِ المُستقرِّ أو غيرِ المُستقرِّ؟ وإذا كانَ من نوعِ غيرِ المُستقرِّ، هل يُمكنُ جَمعُهُ جمعاً عُرفيّاً أو لا؟ والمُستقرُّ، هل توجَدُ لهُ مُرجِّحاتٌ فِي المقامِ أو لا؟  فهذهِ المراحلُ كلّهَا على الرِّوايةِ اِجتيازهَا حتَّى تكونَ حجَّةً ويأخذَ الشِّيعةُ الإماميّةُ بهَا.. ففِي الرِّواياتِ عامٌّ وخاصٌّ ومطلَقٌ ومقيَّدٌ ونصٌّ وظاهِرٌ ومُجمَلٌ ومبيِّنٌ، وليسَ كمَا يظنُّ البعضُ أنَّ الموضوعَ يتعلّقُ بروايةٍ واحدةٍ فقطْ. وبالنِّسبةِ للرِّوايةِ المذكورةِ فِي السُّؤالِ فهيَ ممَّا رواهُ الشَّيخُ الصَّدوقُ (عليهِ الرَّحمة) فِي كتابهِ (إكمالُ الدِّينِ وتمامُ النِّعمةِ)، ونحنُ بغضِّ النَّظرِ عن سندِهَا نقولُ هِيَ مُعارضَةٌ بجُملةِ رواياتٍ توجبُ دفعَ الخُمسِ ولا تُحلّهُ لصاحبِهِ، الأمرُ الذي يُشكِلُ قبولَهَا على ظاهرهَا، وفِي هذا الجَانبِ قالَ المُحقّقِ القُميُّ (قُدِّسَ سِرُّه): (وفِي كتابِ إكمالِ الدِّينِ، عَنْ مُحمَّدٍ بن يعقوبَ فيمَا وردَ منَ التّوقيعاتِ بخطِّ صاحبِ الزّمانِ عليهِ السَّلام: «أمَّا مَا سألتَ عنهُ مِنْ أمرِ المُنكرينَ لِي إلى أنْ قالَ: وأمَّا الخُمسُ فقَدْ أُبيحَ لشيعتِنَا، وجُعلوا منهُ فِي حِلٍّ إلى أنْ يظهرَ أمرُنَا؛ لتَطيبَ بهِ ولادتُهُمْ ...»، إلى غيرِ ذلكَ منَ الأخبارِ.

أقولُ: ويُشكِلُ العملُ بظواهرِ أكثرِ هذهِ الأخبارِ؛ لأنَّ مُقتضَى بعضِهَا تحليلُ مُطلقِ الخُمسِ حتَّى حِصَّةُ غيرِ الإمامِ وحِصَّةُ الإمامِ اللّاحقِ وفِي حالِ الحُضورِ، فَضلاً عنِ الغَيبةِ، وكذلكَ الأنفالُ، ويُفيدِ كثيرٌ مِنها عدمُ تخصيصِ الاِستثناءِ بمَا ذُكرَ، وذلكَ يوجِبُ جوازَ التَّصرّفِ في مالِ الغيرِ.

وهذا وإنْ كانَ يُمكنُ دفعهُ بأنَّ إخبارَ المعصومِ عن ذلكَ كاشفٌ عن صحّتهِ، بمعنى أنَّهُ إخبارٌ عن عدمِ الوجوبِ، ولكِنْ يدفعُهُ التَّأمُّلُ فِي الحكمةِ الباعثةِ على وضعِ الخُمسِ، ومَا دلَّ منَ الأخبارِ على أنَّ اللهَ تعالى حرَّمَ الزَّكاةَ على بنِي هاشمٍ تشريفاً لهُمْ، وتنزيهَاً إيَّاهُمْ عن أوساخِ النَّاسِ، وتوفيراً لحقّهِمْ على غيرِهِمْ مِنْ جهةِ المِقدارِ والمحلِّ كليهِمَا؛ فإذا كانَ ذلكَ ساقطاً عن الشِّيعةِ، فيبقى فقراءُ بني هاشمٍ أسوأ حالًا من سائرِ الخلقِ؛ لأنَّ المُخالفينَ معَ قِلّةِ مَا يتعلّقُ بهِ الخمسُ عندهُم لأنّهم لا يقولونَ بخُمسِ الأرباحِ؛ وهوَ الغالبُ النّافعُ فِي الغالبِ، ولا في المالِ المُختلطِ، ولا فِي أرضِ الذّمّي التي اِشتراهَا منْ مُسلمٍ الغالبُ أنَّهُم لا يعطونَ خُمسَهُمْ للشِّيعةِ، وسيَّمَا مَنْ كانَ مِنهُمْ فِي بلادِ التّشيّعِ، معَ مَا ثبتَ مِن شرفِ بني هاشمٍ، وكثرةِ اهتمامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ بحالِهِمْ، وجعلَ المودّةَ معهم أجرَ الرِّسالةِ، ومَا وردَ مِنَ الأخبارِ الكثيرةِ فِي صلةِ الذّريَّةِ الطّيبةِ، فكيفَ يُمكنُ القولُ بسقوطِ حقوقهِم بالمرَّةِ أو فِي الأغلبِ، معَ أنَّ الأصلَ الثّابتَ بالكتابِ والسُّنَّةِ المتواترةِ والإجماعِ كيفَ يَخرجُ عنهُ بمثلِ هذهِ الأخبارِ، وسيَّما الأصلُ عدمُ السُّقوطِ.

فيُشبهُ أنْ يكونَ الباعثُ لصدورِ هذهِ الأخبارُ، هوَ طُغيانُ أهلِ الجَورِ، واِغتيالُ السُّلطانِ لأموالِهِمْ، وتصرُّفِ الظّلمةِ فِي الأنفالِ والأخماسِ.

فالعفوُ إمَّا لأجلِ أنَّ المُخالفينَ إذا كانُوا يأخذونَ منهُمْ فلا يجبُ عليهِم ثانياً كمَا فِي الخِراجِ والزَّكاةِ، وإمَّا لأجلِ أنَّ مَا يُعاملونَ معهُمْ فِي تلكَ الأموالِ ويَصلُ إليهِم لا غائلةَ فيهِ كمَا فِي شراءِ الزَّكاةِ والخراجِ.

معَ أنَّ الظَّاهرَ مِنْ بعضِ تلكَ الأخبارِ أنَّ ذلكَ التّحليلَ كانَ منهُمْ «عندَ إعوازِ المالِ وعدمِ الاِقتدارِ، وأنَّ العفوَ منْ صاحبِ الحقِّ مِنْ حقِّهِ، معَ اِحتمالِ حقِّ غيرهِ أيضاً حينئذٍ.

ويَظهرُ مِنْ بعضِهَا: أنَّهُ كانَ للخوفِ والتّقيّةِ، ومِنْ بعضِهَا: أنَّ ذلكَ كانَ عفواً من صاحبِ الحقِّ عليهِ السَّلامُ فِي مالِهِ الَّذِي أتلفَهُ السّائلُ، وعدمُ تمكَّنِهِ منَ الإيصالِ.

معَ أنَّ في مقابلِ هذهِ الأخبارِ أخباراً مُشدَّدةً لوجوبِ إيصالِ حقوقهِم والاِهتمامِ بذلكَ، مثلَ حسنةِ إبراهيمَ بنِ هاشمٍ، قالَ: كنتُ عندَ أبِي جعفرٍ الثّانِي عليهِ السَّلامُ إذْ دخلَ عليهِ صالحٌ بنُ محمَّدٍ بنُ سَهلٍ وكانَ يتولَّى لهُ الوَقفَ بقُمٍّ فقالَ: يا سيِّدِي اجعلنِي مِنْ عشرةِ آلافِ دِرهمٍ فِي حِلٍّ، فإنِّي قَدْ أنفقتُهَا، فقالَ لهُ: «أنتَ فِي حِلٍّ».

فلمَّا خرجَ صالحٌ قالَ أبو جعفرٍ عليهِ السَّلامُ: «أحدُهُمْ يثبُ على أموالِ آلِ محمَّدٍ وأيتامِهِم ومساكينِهم وأبناءِ سبيلهِم فيأخذُهَا ثمَّ يجيءُ فيقولُ: اجعلنِي فِي حِلٍّ، أتراهُ ظنَّ أنِّي أقولُ: لا أفعلُ، واللهِ ليسألنَّهُم اللهُ يومَ القيامةِ عن ذلكَ سُؤالاً حثيثاً».

أقولُ: لا يُنافِي تحليلُهُ عليهِ السَّلامُ مِنْ مالِه سؤالَهُ تعالى منهُ يومَ القيامَةِ عنْ سوءِ فِعلِهِ إذا لَمْ يَتُبْ عنْ ذلكَ وكانَ مُقصِّراً.

ولا وَجهَ للقَدحِ فِي دلالةِ الرِّوايةِ بأنَّ السَّائلَ لعلَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الشِّيعةِ، وأنَّ المالَ مالُ الوقفِ، لا مِمَّا نحنُ فيهِ، فإنَّهُ يدفعُهُ الظّهورُ فِي الأوَّلِ، وعمومُ قولِهِ عليهِ السَّلامُ بعدَ خروجِ السَّائلِ.

وما رواهُ الكلينيُّ، عن مُحمَّدٍ بنِ يزيدَ الطَّبريِّ، قالَ: كتبَ رجلٌ منْ تُجَّارِ فارسَ منْ بعضِ موالي أبي الحسنِ الرِّضَا عليهِ السَّلامُ يسألُهُ الإذنَ فِي الخُمسِ فكتبَ إليهِ: «بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ إنَّ اللهَ واسِعٌ كريمٌ، ضمنَ على العملِ الثَّوابَ، وعلى الضِّيقِ الهَمَّ، لا يحلُّ مالٌ إلَّا مِنْ وجهٍ أحلَّهُ اللهُ، إنَّ الخمسَ عونُنَا على دينِنَا وعلى عِيَالاتِنَا وعلى موالينَا، ومَا نبذلُهُ ومَا نشتري مِنْ أعراضِنَا ممَّنْ نخافُ سطوتَهُ، فلا تَزووهُ عنَّا، ولا تَحرمُوا أنفسَكُمْ دعاءنَا» الحَديث.

وأيضاً عنهُ قالَ: قدمَ قَومٌ مِنْ خُراسانَ على أبِي الحسنِ الرِّضَا عليهِ السَّلامُ فسألوهُ أنْ يجعلَهُمْ فِي حِلٍّ مِنَ الخُمسِ، فقالَ: «ما أمحلَ هذا، تمحضونَا المودَّةَ بألسنتِكُمْ وتزوونَ عنَّا حقّاً جعلهُ اللهُ لنَا وجعلنَا لهُ، وهوَ الخُمسُ، لا نجعلُ، لا نجعلُ، لا نجعلُ لأحدٍ مِنكُمْ فِي حِلٍّ».

إلى غيرِ ذلكَ منَ الأخبارِ المُؤكَّدَةِ فِي أمرِ الخُمسِ وإيجابِ دفعِهِ، وأنَّهُ مُوجِبٌ لتزكيةِ المالِ وتطهيرهِ، مِثلَ روايَةِ أبي بصيرٍ قالَ: قلتُ لأبي جعفرٍ عليهِ السَّلامُ: ما أيسرَ ما يدخلُ بهِ العبدُ النَّارَ؟ قالَ: قال: «مَنْ أكلَ مِنْ مالِ اليتيمِ دِرهمَاً، ونحنُ اليتيم».

وموثَّقةُ ابنِ بكيرٍ عنِ الصَّادقِ عليهِ السَّلامُ قالَ: «إنِّي لآخذُ الدِّرهمَ، وإنِّي لمِنْ أكثرِ أهلِ المدينةِ مالاً، ما أُريدُ بذلكَ إلَّا أنْ تطهَّرُوا».

وروايةُ أبِي بصيرٍ عنِ الباقرِ عليهِ السَّلامُ فِي حديثٍ قالَ: «لا يَحلُّ لأحدٍ أنْ يشتريَ منَ الخُمسِ شَيئاً حتَّى يصلَ إلينَا حقّنَا»،  إلى غيرِ ذلكَ منَ الأخبارِ ) انتهى [ غنائم الأيام 4: 384] .

جوابُ السُّؤالِ الثَّانِي: تضعيفُ السّيّدِ الخُوئي (قدِّسَ سرُّهُ) للرِّوايةِ مِنْ جهةِ مُحمَّدٍ بنِ مُحمَّدٍ بنِ عِصامٍ وكذا إسحاقَ بنِ يعقوبَ [ انظر: كتابَ الصَّومِ - السّيّدُ الخوئي - 2 : 82 - 84].

ولكِنْ يوجدُ للرِّوايةِ سندٌ ثانٍ، فقَدْ رواهَا الشَّيخُ الطُّوسي فِي كتابِ الغيبةِ عَنْ جماعةٍ عن جعفرٍ بنِ محمَّدٍ بنِ قولويه وأبي غالبٍ الزَّراري وغيرهِمَا، كُلّهُم عن مُحمَّدٍ بنِ يعقوبَ.

وهذا السَّندُ الثَّانِي قطعيٌّ إلى الكُليني لأنَّ الشَّيخَ الطّوسيَّ يروي جميعَ كتبِ ورواياتِ جعفرٍ بنِ محمَّدٍ بنِ قولويه وأبي غالبٍ الزّراري عَنْ جماعةٍ أحدُهُمْ الشَّيخُ المُفيدُ. إذن سندُ الشَّيخِ يكونُ هكذا: الشَّيخُ عن جماعةٍ منهم الشَّيخُ المُفيدُ عن جعفرٍ بنِ محمَّدٍ بنِ قولويه وأبِي غالبٍ الزَّراري وغيرِهِمَا كلِّهم عن محمَّدٍ بنِ يعقوبَ الكليني عن إسحاقَ بنِ يعقوبَ، وعيبُ هذا السَّندِ هوَ «إسحاقُ بنِ يعقوبَ» لا اِبنُ عِصامٍ، وهذا قالَ عنهُ السّيّدُ الخوئي: لا اِسمَ لهُ فِي الرِّجالِ، فيكونُ مَجهولاً، فيُحتملُ اِفتراءُ التَّوقيعِ.

ويُمكنُ القَولُ: التّوقيعُ لَمْ يَكنْ مَكذوبَاً; وذلكَ لأنَّ التَّوقيعَ فِي ذلكَ الزَّمانِ لَم يصدرْ إلاّ للخَواصِّ لأنَّ الإمامَ (عليهِ السَّلام) كانَ غائباً، يتستَّرُ عنِ المُجتمعِ وعنِ السُّلطانِ، وقدْ بلغَتِ التّقيّةُ إلى حُرمَةِ ذِكرِ اِسمهِ (عجَّلَ اللهُ فرجَهُ الشَّريف)، إذَنْ لا نَحتمِلُ اِفتراءَ التَّوقيعِ الكاملِ بحيثُ يخفَى على الكُلينيِّ ذلكَ.

وقَدْ يُقالُ: إنَّهُ يُحتمَلُ تغييرُ بعضِ الفقراتِ فِي التّوقيعِ للتّساهلِ فِي النّقلِ.

وجوابُهُ: بأنَّ تغييرَ بعضِ الفقراتِ إنَّمَا يُتصوَّرُ فِي الجوابِ الشَّفهيِّ لا الكِتابيِّ. إذن الرِّوايةُ صحيحةٌ. [مِنْ إفاداتِ الشَّيخِ حسنٍ الجواهري حفظهُ اللهُ فِي كتابِهِ: بحوثٌ فِي الفقهِ المُعاصرِ 6: 30]. 

 إلَّا أنَّ الَّذِي يُخفّفُ الخَطبَ فِي الموضوعِ أنَّ مُستندَ التّقليدِ ليسَ هُوَ هذهِ الرِّوايةَ فحسبْ بَلْ هُوَ السِّيرةُ العُقلائيَّةُ القَطعيّةُ، فالسِّيرةُ العُقلائيّةُ قائمةٌ بالرُّجوعِ إلى أهلِ الخِبرةِ والاِختصاصِ، فقَدْ كانَ النّاسُ يرجعونَ إلى أهلِ الخِبرةِ والاِختصاصِ مِنْ أيّامِ المَعصومينَ (عليهمُ السَّلام)، بَلْ قبلَ زمانِهِم، وكانَ هذا الرّجوعُ على مَرأىً ومَسمَعٍ منهُم (عليهمُ السَّلام)، ولم يَثبُتْ صُدورُ رَدعٍ عنهُم (عليهمُ السَّلام) للنَّاسِ فِي الرُّجوعِ المَذكورِ، فتَثبتُ حجِّيّةُ الرّجوعِ إلى الفُقهاءِ والمراجعِ لأنَّهُم أهلُ اِختصاصٍ فِي فَنِّهِم كأيِّ جهةٍ أُخرَى.  

معَ إشارةٍ أُخرَى نذكرُهَا هُنَا بأنَّ الأئمَّةَ (عليهمُ السَّلام) أنفسَهُمْ أرجعوا شيعتَهُمْ إلى جُملةٍ كبيرةٍ مِنْ أصحابهِمْ فِي أخذِ علومِ الدِّينِ عنهُمْ، وقَدْ كانوا (عليهمُ السَّلام) يُعلِّمونَ أصحابَهُمْ كيفيَّةَ الاِستنباطِ واِستخراجَ الأحكامِ الشّرعيّةِ مِنْ أدلّتِها التّفصيليّةِ. 

راجِعُوا مقالةَ: التّقليدِ وأدلَّةَ وجوبِهِ، على موقعِنَا، ففيهَا التّفصيلُ لكُلِّ مَا ذكرنَاهُ هُنَا. 

 جوابُ السُّؤالِ الثَّالثِ: هذا المقطعُ الواردُ فِي السُّؤالِ مأخوذٌ عن ابنِ عربي فِي "الفتوحاتِ" وهوَ مِنْ أهلِ التّصوُّفِ والخِلافِ، فلا حُجَّةَ لمرويّاتِهِ عندَنَا، معَ أنَّ الكلامَ المَنقولَ يُفسِّرُ بعضُهُ بعضاً حسبمَا أوردَهُ  الشَّيخُ الحائريُّ فِي "إلزامِ النَّاصبِ" حيثُ نقلَ عنِ ابنِ عربيٍّ فِي أحوالِ الإمامِ المهديِّ (عليهِ السَّلام): (يضعُ الجِزيةَ على الكفّارِ ويدعو إلى اللهِ بالسَّيفِ ويرفعُ المذاهبَ عنِ الأرضِ فلا يبقَى إلَّا الدِّينُ الخالصُ، أعداؤُهُ مُقلِّدَةُ العلماءِ، أهلُ الاِجتهادِ، لمَا يرونَهُ يحكمُ بخلافِ مَا ذهبَ إليهِ أئمَّتهُمْ فيدخلونَ كرهَاً تحتَ حكمِهِ خوفَاً مِنْ سَيفِهِ إلى أنْ يقولَ: ولولا أنَّ السَّيفَ بيدِهِ لأفتى الفقهاءُ بقتلِهِ ولكنَّ اللهَ يُظهرَهُ بالسَّيفِ والكرمِ). [إلزامُ النَّاصبِ فِي إثباتِ الحجَّةِ الغائبِ 2: 91].

فهوَ يُريدُ مُقلِّدةَ المذاهبِ الأخرى بقرينةِ قولِهِ: (بخلافِ مَا ذهبَ إليهِ أئمَّتهم)، ولا يريدُ أتباعَ مراجعِ التّقليدِ مِنَ الشِّيعةِ؛ لأنَّ مراجعَ الشِّيعةِ يُفتونَ بحسبِ مرويَّاتِ أهلِ البيتِ (عليهمُ السَّلام) فلا يُعدُّونَ منَ المُخالفينَ للإمامِ المهديِّ (عليهِ السَّلام).

جوابُ السُّؤالِ الرَّابعِ: علماءُ الأصولِ حينَ يجعلونَ العقلَ مُستنداً عندهم فِي اِستنباطِ الحكمِ الشَّرعيِّ فهم يقصدونَ بهِ الدّليلَ العقليَّ القطعيَّ لا الدليلَ العقليَّ الظَّنِّيَّ كالقياسِ ونحوِهِ.

 وهذا الدَّليلُ العقليُّ القطعيُّ يتناولُ مبحثَ المُستقلَّاتِ العقليَّةِ التي تنحصرُ بمسألةٍ واحدةٍ هيَ مسألةُ التَّقبيحِ والتَّحسينِ العَقليَّينِ، وهيَ مسألةٌ مُهمَّةٌ جِدَّاً تدخلُ فِي مباحثَ متعدِّدةٍ فِي أصولِ الدِّينِ وفروعهِ، وقد تعرَّضنَا لجوابهَا بشكلٍ تفصيليٍّ فِي مناسبةٍ سابقةٍ، فالفَرقُ كبيرٌ بينَ الأصوليِّينَ والأخباريِّينَ فِي هذا الجَانبِ. [راجِع أصولَ الفقهِ للمظفَّرِ، المقصدُ الثَّانِي، مبحثُ المُلازماتِ العقليَّةِ]. 

 وأمَّا المقصودُ بالإجماعِ، فهوَ عندَ الشِّيعةِ الإماميَّةِ: اِتّفاقُ جماعةٍ يَكشفُ اتّفاقُهُمْ عنْ رأيِ المَعصومِ عليهِ السَّلامُ. [قوانينُ الأصولِ: 373]، ولهُ عدَّةُ تقريباتٍ ذكرَهَا عُلماءُ الأصولِ فِي كتبهم، راجع المصدرَ السَّابقَ، مبحثُ الإجماعِ. 

ودمتُم سالِمينَ.