قَبولُ الإمامِ الرّضا (ع) بولايَةِ العهدِ والرّكونِ إلى الظَّلمةِ.

جَليل: لِماذا وافَقَ الإمامُ عَلي الرّضا {ع} على ولايَةِ العهدِ معَ أنَّ الخلفاءَ العباسيّينَ هم طُغاةٌ و ظَلمَةٌ واللهُ تعالى يقولُ { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ }

: اللجنة العلمية

الأخُ صباح المُحترَمُ، السَّلامُ عَليكُمْ ورَحمَةُ اللهِ وبَركاتُهُ

وَجهُ قَبولِ الإمامِ الرِّضا (ع) بولايةِ العهدِ :

لَمْ يَقبلِ الْإمَامُ الرِّضَا (ع) بِوَلَايَةِ الْعَهْدِ بإختيارهِ، بَلْ أَكْرَهَهُ الْمَأْمُونُ الْعَبَّاسِيُّ عَلَى الْقَبُولِ وَهَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ، فَاِضْطُرَّ الْإمَامُ (ع) بِأَنْ يَقبلَ، وَلَكِنْ بِشُرُوطٍ وَضَعهَا عَلَى الْمَأْمُونِ الْعَبَّاسِيِّ، فَوَافَقَ الْمَأْمُونُ عَلَى شُرُوطِهِ، فَقَلَّدَهُ وَلَايَةَ الْعَهْدِ.

حَيْثُ قَالَ لَهُ بَعْدَ رَفْضِ الإمامِ الرِّضَا (ع) لِذَلِكَ- فِيمَا رَوَاهُ الصَّدُوقُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ-:( فَبِاللهِ أُقسِمُ لَإن قَبَلْتَ وَلَايَةَ الْعَهْدِ وَإِلَّا أَجْبَرْتُكَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَتَ وَإِلَّا ضَربْتُ عُنْقُكَ.

فَقَالَ الرِّضَا (عَلَيْهِ السّلامُ): قَدْ نَهَانِي اللهُ عزَّ وَجَلَّ أَنْ ألْقِيَ بِيَدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَإِنْ كَانَ الأمرُ عَلَى هَذَا فَاِفْعَلْ مَا بَدَا لَكَ، وَأَنَا أَقْبَلُ ذَلِكَ، عَلَى أَنِّي لَا أَوَلِّي أحَدَاً، وَلَا أَعَزِلُ أحَدًا، وَلَا أَنقُضُ رَسْمًا وَلَا سُنَّةً، وَأَكُونُ فِي الأمرِ مِنْ بَعيدٍ مُشِيرًا.

فَرَضِيَ مِنْهُ بِذَلِكَ، وَجَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْهُ (عَلَيْهِ السَّلامُ) لِذَلِكَ.) أَمَالِي الصَّدُوقِ ص126.

- وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ الأصفَهاني بأسانيدهِ أَنَّ الْمَأْمُونَ أَرْسَلَ الْفَضْلَ بْنَ سَهْلٍ وَأَخِيهِ الْحَسَنَ بْنَ سَهْلٍ إِلَى الْإمَامِ الرِّضَا (ع) لِيَقبَلَ وَلَايَةُ الْعَهْدِ فَعَرَضَا ذَلِكَ عَلَيْهِ فَأَبَى، فَلَمْ يَزَالَا بِهِ وَهُوَ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَمْتَنِعُ مِنْهُ، إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ أحَدُهُمَا: إِنْ فَعَلْتَ وَإِلَّا فَعَلْنَا بِكَ وَصَنَعْنَا، وَتَهَدَّدهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ أحَدُهُمَا: وَاللهِ: أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِكَ إِذَا خَالَفْتَ مَا يُرِيدُ.

ثُمَّ دَعَا بِهِ الْمَأْمُونُ فَخَاطَبَهُ فِي ذَلِكَ فَاِمْتَنَعَ، فَقَالَ لَهُ قَوْلاً شَبيهاً بِالتَّهَدُّدِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ عُمَرَ جَعَلَ الشُّورَى فِي سِتَّةٍ أَحَدُهُمْ جَدُّكَ، وَقَالَ: مَنْ خَالَفَ فَاِضْرِبُوا عُنُقَهُ، وَلَابُدَّ مِنْ قَبُولِ ذَلِكَ.

فَأَجَابَهُ عَلِيُّ بْنُ مُوسى إِلَى مَا اِلْتَمَسَ.) مَقَاتِلُ الطَّالِبِييْنَ لَابِي الْفَرَجِ الأصفهاني ص375.

- وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تَشْبِيهُ قَبُولِهِ بِوَلَايَةِ الْعَهْدِ بِدُخُولِ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فِي الشُّورَى.

عُيُونُ أَخْبَارِ الرِّضَا ج2 ص152.

فَهِي لَمْ تَخْلُ مِنْ مَصَالِحَ ظَاهِرَةٍ وَخَفِّيَّةٍ: كَإتْمَامِ الْحُجَّةِ وَبَيَانِ أَحَقِّيَّتِهِمْ بِالْخِلَافَةِ بإعترافِ خَصمِهِمْ، وَبَيَانِ مَظْلُومِيَّتِهِمْ، وَظُهورِ شَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِمِ الخاصِّ عَلَى السَّطْحِ الْعَامِّ، وَإِبْطَالِ مُخَطَّطَاتِ الْمَأْمُونِ- الْمَوْصُوفِ بِأَنَّهُ عِفْرِيتٌ مُسْتَكْبِرٌ فِي إِطْفَاءِ نُورِ اللهِ، وَعَدَمِ يَأْسِ النَّاسِ مِنْ خِلَاَفَتِهِمْ وَدَوْلَتِهِمْ، وَأَنَّ الْمَأْمُونَ عَلَى خُطى أَجدادِهِ لَا أَمَانَ فِي دَوْلَتِهِمْ فَإِنَّهُ سَيَقُومُ بِتَصْفِيَتِهِ مِنْ طَرِيقِ دَسِّ السُّمِّ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ.

وَالْإمَامُ الرِّضَا (ع) بَيَّنَ لِلْمُسْلِمِينَ وَجْهَ قَبُولِهِ وَتَوَلّيهِ لِوَلَايَةِ الْعَهْدِ- مُضَافًا إِلَى أَنَّهُ كَانَ مَكْرُهَاً مُضْطَرًّا- كَمَا تَوَلَّى يوسفُ الصِّدّيقُ خَزَائنَ عَزِيزِ مِصْرَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا الصَّدُوقُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: دَخلتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (عَلَيْهِ السّلامُ)، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّكَ قَبِلتَ وَلَايَةَ الْعَهْدِ مَعَ إِظْهَارِكَ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا ! فَقَالَ (عَلَيْهِ السّلامُ): قَدْ عَلِمَ اللهُ كَرَاهَتِي لِذَلِكَ، فَلَمَّا خُيِّرْتُ بَيْنَ قَبُولِ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْقَتْلِ اِخْتَرْتُ الْقَبُولَ عَلَى الْقَتْلِ، وَيْحَهُمْ أَما عَلِمُوا أَنَّ يوسفَ (عَلَيْهِ السّلامُ) كَانَ نَبِيَّاً رَسُولًا، فَلَمَّا دَفَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَى تَوَلَّيْ خَزَائنَ الْعَزِيزِ قَالَ لَهُ: إجعلني عَلَى خَزَائنِ الْأرْضِ إنّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، وَدَفَعَتْنِي الضَّرُورَةُ إِلَى قَبُولِ ذَلِكَ عَلَى إكْرَاهٍ وَإِجْبَارٍ بَعْدَ الإشرافِ عَلَى الْهَلاكِ، عَلَى أَنِّي مَا دَخَلْتُ فِي هَذَا الأمرِ إِلَّا دُخُولَ خَارِجٍ مِنْهُ، فَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ.) الْأمَالي لِلصَّدُوقِ ص130.

هَلْ قَبُولُهُ رُكونٌ إِلَى الظَّلمَةِ؟

تَوَضَّحَ مِمَّا عَرَضْنَا مِنَ النُّصُوصِ أَنَّ الْإمَامَ (ع) قَبِلَ بِوَلَايَةِ الْعَهْدِ بَعْدَ تَهْدِيدِهِ بِالْقَتْلِ، مُضَافًا إِلَى الشُّرُوطِ الَّتِي وَضْعَهَا الْإمَامُ (ع) عَلَى الْمَأْمُونِ، حَيْثُ لَا يُولِّي وَلَا يَعْزِلُ أحَدًا وَلَا يَتَدَخَّلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُمُورِ.

وَعَلَيْهِ: فَالْمُكْرَهُ وَالْمُعْلِنُ لِرَفَضِهِ لَيْسَ بَراكنٍ إِلَى الظُّلَمَةِ، وَالْمُكْرَهُ الْوَاضِعُ لِشُرُوطِ عَدَمِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لَيْسَ بَراكنٍ إِلَى الظُّلَمَةِ.

وَيُمْكِنُكُمْ مُرَاجَعَةُ كِتَابِ الْحَيَاةِ السِّيَاسِيَّةِ لِلْإمَامِ الرِّضَا، وَكِتَابُ حَيَاةِ الْإمَامِ الرِّضَا، كِلَاهُمَا لِلْمُحَقِّقِ السَّيِّدِ جَعْفَر مُرْتَضَى الْعَامِلِيّ.

ودُمتُم سالِمين.