لماذا يأكُلُ الإمامُ الكاظمُ أو الإمامُ الحسنُ (ع) الشيءَ المسمومَ مع علمِهِ به ؟!

حسين حبيب/: سلامٌ عليكُم .. اذا كانَ الإمامُ الكاظِمُ و الإمامُ الحسنُ وكل أمام قتل بالسمِّ يعلمُ أنَّ في الاكل سم لماذا يأكلُ اذا كان يعلم أنَّ فيهِ موته.

: اللجنة العلمية

الأخُ حسينٌ المُحترَمُ، السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ 

الجوابُ على هذا السُّؤالِ نَقضاً وحَلّاً :

الجَوابُ النَّقضيّ : لقد علِمَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّم  ) [ حسبَ الرِّواياتِ الصَّحيحةِ الواردَةِ في كتُبِ الفَريقَينِ ] بمَقتلِ وَلدهِ الحسينِ ( عليهِ السَّلامُ ) في كربلاءَ فلِماذا لم ينهاه عن الذهاب إليها  ؟ وأيضا علم الإمام الحسين ( عليه السلام ) بأنّ ذهابه إلى كربلاء يعني مقتله فيها فلماذا  لم يَمتنعْ مِنَ الذَّهابِ إليها ؟!

وما تُجيبُ بهِ هنا هوَ الجَوابُ على سُؤالكَ ، وإذا  لم تجِدْ  جَواباً فتابعْ مَعَنا الجوابَ الحلّيّ .

أمّا الجَوابُ الحلّيُّ :

العلمُ بالغيبِ لا يَعني مخالفَةَ المحتومِ ، فإنَّ هناكَ أموراً محتومةً  لابدَّ مِنْ  وقوعِها  ، وهذا لا يَعني تقديرَ وقوعِها على نَحوِ الجَبرِ ، بل هيَ ممّا جَرى في علمِ اللهِ سبحانَهُ  أنَّها ستقَعُ حتماً لِحضورِ أسبابِها ومُسبِّباتها ، والتَّكليفُ في دارِ الدُّنيا إنّما يَجري  وفقَ قانونِ الأسبابِ والمُسبِّباتِ ، فلو فَرَضنا أنَّ هناكَ شخصاً سَيُقتَلُ غَداً بالرُّصاصِ  في حادثَةٍ مُعيَّنَةٍ ، واللهُ سُبحانَهُ قد أعطى هذا العلمَ بالموتِ للشَّخصِ نفسِهِ ، فهَلْ تَراهُ قادِراً على دَفعِ المَوتِ عنهُ إذا حضرَتْ كُلُّ الأسبابِ لحضورهِ في تِلكَ الحادثَةِ ومَقتلِهِ فيها ؟!!

إنَّ دَفْعَ الأسبابِ بَعدَ حُضورِها ليسَ مَقدوراً لأحَدٍ .. وهوَ ما يُمكِنُ تَطبيقُهُ في مثلِ حادثَةِ مَقتَلِ الإمامِ الحسينِ ( عليهِ السَّلامُ ) في كربلاء ، أو تَناولِ السُّمِّ مِنْ قِبَلِ الإمامِ الحسنِ أو الإمامِ الكاظِمِ ( عليهِما السَّلامُ ) .

 إنّ مَقتلَ الحسينِ ( عليهِ السَّلامُ ) في كربلاءَ مِنَ الأمورِ الحَتميَّةِ لحضورِ أسبابِها ، ولا يُمكنُ دفعُهُ ، وعلمُ أهلِ البيتِ ( عليهِمُ السَّلامُ ) بذلكَ  لا يَعني أن يُخالفوا هذا المَحتومَ ، وهذا يَرْتبطُ بمسألةِ القَضاءِ والقَدَرِ  ، الّتي نُشيرُ إليها هنا بشكلٍ موجزٍ فنقولُ :  إنَّ  القضاءَ على نَحوينِ :

 (1) قضاءٌ مَحتومٌ ، وهوَ  ما أخبَرَنا بهِ الرُّسلُ والأنبياءُ ، فهذا يَحصُلُ لا مَحالةَ ؛ لأنَّ اللهَ لا يُكذِّبُ أنبياءَهُ ورُسُله.

 (2) قضاءٌ مَوقوفٌ ، أي غيرُ مَحتومٍ ، وهوَ خاضِعٌ لقانونِ المحوِّ والإثباتِ الذي أخبرنا بهِ سُبحانهُ في قولهِ:  (  يَمحو اللهُ ما يشاءُ ويثبتُ وعندهُ أمُّ الكتابِ ) الرَّعد :39 ، فهنا في هذا القضاءِ يَجري التَّغييرُ بحسبِ مُقتضياتِ عمَلِ الإنسانِ وأفعالهِ الَّتي تُبدّلُ الأقدارَ .

وفي هذا الجانبِ رَوى العَياشيّ في تفسيرهِ عنِ الفضيل، قالَ : سمعتُ أبا جعفرٍ يقولُ : " مِنَ الأمورِ أمورٌ محتومَةٌ

جائيَةٌ لا محالةَ ، ومنَ الأمورِ أمورٌ موقوفَةٌ عندَ اللهِ يقدِّمُ منها ما يَشاء ، ويثبِتُ مِنها ما يَشاء... فأمّا ما

جاءَتْ بهِ الرُّسلُ فهيَ كائنَةٌ لا يُكذِّبُ نفسَهُ ولا نَبِيَّهُ ولا ملائِكَتَهُ " . انتهى [ تفسيرُ العَياشي 2: 217] 

ودُمتُم سالِمين.