أَسْئِلَةٌ حَوْلَ العِصْمَةِ.

أَبُو حُسَيْنٍ الشَّوْهَانِيُّ. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.      لَدَيَّ بَعْضُ الأَسْئِلَةِ أَرْجُو مِنْكُمُ التَّفَضُّلَ عَلَيَّ بِالإِجَابَةِ عَلَيْهَا فَأَنَا مُحْتَاجٌ لِذَلِكَ.      س1: لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ هُنَاكَ جَمَاعَةً مِنْ الرُّؤَسَاءِ نَصَّبَهُمُ اللهُ بِمُقْتَضَى قَاعِدَةِ اللُّطْفِ، ثُمَّ حَصَلَ أَنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ قَامُوا بِقَبِيحٍ يَسْتَوْجِبُ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ لُطْفًا لَهُمْ فِيهِ وَيَأْخُذُهُمْ عَلَيْهِ، فَكَانَ الَّذِي يُؤَاخِذُهُمْ عَلَيْهِ جَمَاعَةً ثَانِيَةً مِنْ هَؤُلَاءِ الرُّؤَسَاءِ وَهَكَذَا كُلَّمَا كَانَتْ جَمَاعَةٌ تَفْعَلُ القَبِيحَ كَانَتْ جَمَاعَةٌ أُخْرَى تَأْخُذُهَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتِ الجَمَاعَةُ الأُولَى أَمْ غَيْرُهَا. هَلْ هَذَا المَفْرُوضُ مُمْكِنُ التَّحَقُّقِ أَمْ لَا؟ فَإِذَا كَانَ نَعَمْ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ الرُّؤَسَاءُ مَعْصُومِينَ، وَإِذَا كَانَ لَا فَبَيِّنُوا لَنَا عَدَمَ جَوَازِهِ.      س2: لَوْ نَصَّبَ الإِمَامُ قُضَاةً وَبَعْضُ هَؤُلَاءِ القُضَاةِ حَكَمُوا بِظَاهِرِ الأُمُورِ أَوْ حَكَمُوا خَطَأً وَتَسَبَّبَ ذَلِكَ بِوُقُوعِ مَفْسَدَةٍ أَفَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلغَرَضِ، وَبِالتَّالِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ القُضَاةِ مَعْصُومِينَ لِكَيْ لَا تَقَعَ مِنْهُمْ مِثْلُ هَذِهِ الأَخْطَاءِ؟     س3: هَلْ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ فَتْوَتَيْنِ لِمَرْجِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِقِتَالِ المُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَلَا يَعُودُ ذَلِكَ بِالنَّقْصِ عَلَى اللهِ أَمْ إِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ اللهِ لَوَجَبَ أَنْ يَظْهَرَ الإِمَامُ حَتَّى لَا يَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ؟، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ حَتَّى وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ الإِمَامُ وَوَقَعَ كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنْ إِلْجَاءِ الإِمَامِ إِلَى الغَيْبَةِ (كَانَ سَبَبُهُ الظَّالِمِينَ)؟

: اللجنة العلمية

 الأَخُ أَبُو حُسَيْنٍ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

 بِالنِّسْبَةِ لِلسُّؤَالِ الأَوَّلِ، وَالَّذِي هُوَ تَقْرِيرٌ بِلِسَانِ السُّؤَالِ، بِمَعْنَى أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ القَوْلَ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ المُنَصَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) مَعْصُومًا حَتَّى لَا يَلْزَمَ مَحْذُورَ الدَّوْرِ أَوْ التَّسَلْسُلِ، وَالأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمْ.

 بَيَانُ المُلَازَمَةِ: أَنَّ المُقْتَضِيَ لِوُجُوبِ نَصْبِ هَذَا الرَّئِيسِ مِنْ قِبَلِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) هُوَ جَوَازُ صُدُورِ الخَطَأِ مِنْ الرَّعِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ هَذَا الخَطَأُ يَصْدُرُ مِنْ هَذَا الرَّئِيسِ أَيْضًا لَاحْتَاجَ إِلَى رَئِيسٍ آخَرَ يُقَوِّمُهُ، وَلَوِ احْتَاجَ هَذَا الآخَرُ لِغَيْرِهِ، لَتَسَلْسَلَ المَوْضُوعُ، وَالتَّسَلْسُلُ بَاطِلٌ.

 وَأَمَّا لُزُومُ الدَّوْرِ فَلَوْ احْتَاجَ هَذَا الرَّئِيسُ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ الخَطَأُ إِلَى نَفْسِهِ لِتَقْوِيمِ نَفْسِهِ، فَهَذَا مَعْنَاهُ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ دَوْرٌ، وَالدُّورُ بَاطِلٌ كَذَلِكَ، فَلَزِمَ عِصْمَةُ الشَّخْصِ المُنَصَّبِ مِنْ قِبَلِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ).

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلسُّؤَالِ الثَّانِي، فَالأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمْ كَذَلِكَ، وَهَذَا مِنْ أَدِلَّةِ لُزُومِ العِصْمَةِ حَتَّى لَا يَلْزَمَ نَقْضُ الغَرَضِ مِنْ التَّنْصِيبِ.

     بَيَانُ المُلَازَمَةِ: أَنَّ الغَرَضَ مِنَ التَّنْصِيبِ هُوَ الإِنْقِيَادُ لِلشَّخْصِ المُنَصَّبِ وَالإِمْتِثَالُ لَهُ، فَلَوْ وَقَعَتِ الأَخْطَاءُ وَالمَفَاسِدُ مِنْهُ لَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَنَفُّرُ النَّاسِ عَنْهُ وَسُقُوطُ مَحَلِّهِ مِنْ القُلُوبِ، وَهَذَا مُنَافٍ لِغَرَضِ تَنْصِيبِهِ، وَمُنَافَاةُ الغَرَضِ قَبِيحَةٌ عَقْلًا، لِذَا وَجَبَتْ عِصْمَتُهُ.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلسُّؤَالِ الثَّالِثِ، فَمَدَارُهُ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الإِمَامِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بَيَانُ الحُكْمِ الوَاقِعِيِّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الفُقَهَاءِ حَالَ غَيْبَتِهِ أَوْ لَا يَجِبُ؟!

     الجَوَابُ: لَا يُوجَدُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَبْقَى لِلُّطْفِ الإِلَهِيِّ فِي رِعَايَةِ المُؤْمِنِينَ وَتَسْدِيدِهِمْ دَوْرُهُ وَمَكَانُهُ فِي زَمَنِ الغَيْبَةِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الأَخْبَارُ الكَثِيرَةُ، مِنْهَا رِسَالَةُ الإِمَامِ المَهْدِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِلشَّيْخِ المُفِيدِ (رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ) الَّتِي جَاءَ فِيهَا: (إِنَّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ، وَلَا نَاسِينَ لِذِكْرِكُمْ، وَلَولَا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اللَّأْوَاءُ [أَيْ الشِّدَّةُ وَالضِّيقُ] وَاصْطَلَمَكُمُ [أَيْ اسْتَأْصَلَكُمُ] الأَعْدَاءُ). انْتَهَى [المَزَارُ - لِلشَّيْخِ المُفِيدِ -: 8].

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.