التَّفَرُّقُ إِلَى مَذَاهِبَ لَيْسَ ذَنْبَنَا، بَلْ ذَنْبُ الَّذِينَ خَالَفُوا رَسُولَ اللهِ (ص) قَبْلَنَا!!

حَوْرَاءُ:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.       قَالَ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)) النِّسَاءُ آيَةُ 59. مَنْ هُمْ أُولِي الأَمْرِ؟ هَلْ صَحَّ هُمْ العُلَمَاءُ وَالفُقَهَاءُ؟! فَهُنَاكَ دَاعِيَةٌ وَمُنَاظِرٌ إِسْلَامِيٌّ هِنْدِيٌّ مَشْهُورٌ جِدًّا فِي العَالَمِ هُوَ يَقُولُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: لَيْسَ هُنَاكَ تَصْنِيفٌ فِي الإِسْلَامِ، وَمَا التَّصْنِيفُ فِي الإِسْلَامِ إِلَّا تَفْرِقَةٌ.. وَهُوَ الَّذِي تَنُصُّ عَلَيْهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} لَيْسَ هُنَاكَ سُنِّيٌّ أَوْ شِيعِيٌّ.. هَذَا رَدُّهُ عَلَى مَنْ يَسْأَلُهُ مِنْ غَيْرِ المُسْلِمِينَ: مَنْ الأَحْسَنُ الشِّيعَةُ أَمْ السُّنَّةُ؟      يَقُولُ لَهُمْ: قُولُوا فَقَطْ إِنَّا مِنْ المُسْلِمِينَ، آمِنُوا بِالقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ. وَهُوَ يُلَقِّنُهُمْ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ عَنْ إِسْلَامِهِمْ هُوَ صَحِيحٌ أَلَا يُوجَدُ تَصْنِيفٌ لَكِنْ كَيْفَ الآنَ مَعَ هَذَا الإِسْمِ الَّذِي أَصْبَحَ مُلَاصِقًا عِنْدَمَا يَقُولُونَ لَكَ: أَنْتَ مُسْلِمٌ نَعَمْ مَا مَذْهَبُكَ سُنِّيٌّ شِيعِيٌّ؟ هَلْ بِهَذَا نَحْنُ نُفَرِّقُ؟!!

: اللجنة العلمية

  الأُخْتُ حَوْرَاءُ المُحْتَرَمَةُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     مَا نَرَاهُ الآنَ مِنْ التَّفَرُّقِ إِلَى مَذَاهِبَ وَفِرَقٍ فِي الإِسْلَامِ، هُوَ لَيْسَ ذَنْبَنَا نَحْنُ، بَلْ ذَنْبُ الَّذِينَ خَالَفُوا رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَبْلَنَا، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ الإِمَامُ الْغَزَّالِيُّ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ وَصَرِيحٍ، حَيْثُ قَالَ فِي "سِرِّ العَالَمِينَ": 

     (لَكِنْ أَسْفَرَتْ الحُجَّةُ وَجْهَهَا، وَأَجْمَعَ الجَمَاهِيرُ عَلَى مَتْنِ الحَدِيثِ، مِنْ خُطْبَتِهِ فِي يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ بِاتِّفَاقِ الجَمِيعِ، وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ. فَقَالَ عُمَرُ: بَخٍ بَخٍ يَا أَبَا الحَسَنِ، لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. فَهَذَا تَسْلِيمٌ وَرِضًى وَتَحْكِيمٌ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا غَلَبَ الهَوَى لِحُبِّ الرِّئَاسَةِ، وَحُمِلَ عَمُودُ الخِلَافَةِ، وَعُقُودُ البُنُودِ، وَخَفَقَانُ الهَوَى فِي قَعْقَعَةِ الرَّايَاتِ، وَاشْتِبَاكُ ازْدِحَامِ الخُيُولِ، وَفَتْحُ الأَمْصَارِ; سَقَاهُمْ كَأْسُ الهَوَى، فَعَادُوا إِلَى الخِلَافِ الأَوَّلِ، فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا). انْتَهَى [مَجْمُوعَةُ رَسَائِلِ الإِمَامِ الْغَزَّالِيِّ، كِتَابُ سِرِّ العَالِمِينَ: 483].

     فَالحُجَّةُ قَدْ تَمَّتْ عَلَى المُسْلِمِينَ وَبَلَّغَهَا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِتَمَامِهَا إِلَى النَّاسِ، لَكِنَّ غَلَبَةَ الهَوَى وَحُبَّ الرِّئَاسَةِ قَادَهُمْ إِلَى إِنْكَارِ الحَقِّ فَتَفَرَّقُوا إِلَى شِيَعٍ وَأَحْزَابٍ، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، وَهُوَ المَعْنَى الَّذِي حَذَّرَهُمْ مِنْ الوُقُوعِ فِيهِ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مِنْ قَبْلُ، كَمَا يَرْوِي ذَلِكَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: (وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تُنَافِسُوا فِيهَا) [صَحِيحُ البُخَارِيِّ، حَدِيثُ رَقْم 428].

     وَعَلَيْهِ; فَلَا مَنَاصَ لِلإِنْسَانِ مِنْ البَحْثِ عَنْ الحَقِيقَةِ بَيْنَ هَذَا الرُّكَامِ وَالتَّنَازُعِ، وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الإِنْسَانِ بِالأَخْذِ مِنْ المَذَاهِبِ كَيْفَمَا اتَّفَقَ; لِأَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ وَصَرِيحٍ: (تَفْتَرِقُ أُمَّتِي إِلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ، وَالنَّاجِيَةُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ). وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ الفَرِيقَيْنِ مَعًا، فَقَدْ نَصَّ عَلَى تَوَاتُرِهِ فِي المَصَادِرِ السُّنِّيَّةِ السُّيُوطِيُّ كَمَا فِي "فَيْضِ القَدِيرِ" ج2 ص 27، وَالكِتَّانِيُّ فِي "نَظْمِ المُتَنَاثِرِ منَ الحَدِيثِ المُتَوَاتِرِ" ص47.

     وَمِنْ الشِّيعَةِ صَرَّحَ الحُرُّ العَامِلِيُّ بِتَوَاتُرِهِ فِي كِتَابِهِ "الفُصُولِ المُهِمَّةِ" ج1 ص 448 حَيْثُ قَالَ - بَعْدَ ذِكْرِهِ لِرِوَايَةِ الكَافِي الوَارِدَةِ فِي هَذَا الجَانِبِ -: (وَالأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ مِنْ طُرُقِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ). انْتَهَى.

     أَمَّا مَا أَفَادَهُ هَذَا الشَّخْصُ مِنْ كَوْنِ أُولِي الأَمْرِ فِي الآيَةِ الكَرِيمَةِ هُمُ الفُقَهَاءُ وَالعُلَمَاءُ فَهُوَ - بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ صِحَّةِ هَذَا التَّفْسِيرِ وَعَدَمِهِ - لَا يَحُلُّ النِّزَاعَ، فَالعُلَمَاءُ وَالفُقَهَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي آرَائِهِمْ وَاجْتِهَادَاتِهِمْ عَقَائِدِيًّا وَفِقْهِيًّا، فَفِي العَقَائِدِ نَجِدُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ بِأَنَّ للهِ يَدَاً وَوَجْهًا وَرِجْلًا وَسَاقًا حَقِيقَةً، وَالبَعْضَ الآخَرَ يَنْفِي ذَلِكَ وَيَقُولُ بِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إِلَى التَّجْسِيمِ، وَالتَّجْسِيمُ بَاطِلٌ، فَبِأَيِّ كَلَامٍ نَأْخُذُ وَأَيِّهِمَا نَتْرُكُ؟!!

      وَفِي الفِقْهِ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّ التَّكَتُّفَ - وَهُوَ وَضْعُ اليَدِ عَلَى الأُخْرَى حَالَ القِيَامِ فِي الصَّلَاةِ - مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ. وَالبَعْضُ الآخَرُ يَقُولُ بِعَدَمِ بُطْلَانِهِ. فَبِمَنْ نَأْخُذُ وَمَنْ نَتْرُكُ؟!!

     وَهَكَذَا تُوجَدُ العَشَرَاتُ بَلِ المِئَاتُ مِنْ المَسَائِلِ الخِلَافِيَّةِ فِي فُرُوعِ العَقَائِدِ وَالفِقْهِ الَّتِي لاَبُدَّ لِلمُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَ بِأَيِّهَا يَأْخُذُ وَأَيِّهَا يَتْرُكُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِالإِتْيَانِ بِالدِّينِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَرَادَهُ (عَزَّ وَجَلَّ)، وَالَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ حَدِيثُ الفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ وَصَرِيحٍ.

     نَعَمْ، قَدْ يَكُونُ الشَّخْصُ المَذْكُورُ يَتَكَلَّمُ بِهَذَا الكَلَامِ مِنْ بَابِ مُرَاعَاةِ حَالِ المُحَاوِرِينَ لَهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ مُهِمَّتَهُمْ صَعْبَةً فِي الدُّخُولِ إِلَى الإِسْلَامِ بِإِظْهَارِ جَوَانِبِ الخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ المَذَاهِبِ، وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: أُدْخُلُوا الإِسْلَامَ أَوَّلًا ثُمَّ ابْحَثُوا عَنْ المَذْهَبِ الحَقِّ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَإِلَّا فَالمَسْأَلَةُ ابْتِلَائِيَّةٌ - كَمَا أَشَرْنَا - وَلاَبُدَّ مِنْ البَحْثِ عَنْ الحَقِيقَةِ فِيهَا، وَلَا مَهْرَبَ مِنْ ذَلِكَ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.