الإسْتِدْلَالُ بِالإسْتِقْرَاءِ.

قَدْ ثَبَتَ فِي المَنْطِقِ أَنَّ الإسْتِقْرَاءَ النَّاقِصَ نَتِيجَتُهُ لَا تُعَمَّمُ، قَانُونُ السَّبَبِيَّةِ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أتْبَاعِ الأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ عَرَفْنَاهُ مِنْ خِلَالِ الإسْتِقْرَاءِ النَّاقِصِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَانُونًا وَقَاعِدَةً كُلِّيَّةً؟

: اللجنة العلمية

     هُنَا تَتِمَّةٌ لَمْ تُذْكَرْ فِي كَلَامٍ السَّائِلِ وَهِيَ أَنَّ الإسْتِقْرَاءَ النَّاقِصَ عَلَى أَنْوَاعٍ، مِنْهَا:

      الإسْتِقْرَاءُ المُعَلَّلُ:

     هُوَ مَا يُعَمَّمُ فِيهِ الحُكْمُ عَلَى أَسَاسٍ مِنْ الإِيمَانِ بِوُجُودِ عِلَّةِ الحُكْمِ فِي كُلِّ جُزْئِيَّاتِهِ. 

     نَظِيرُ مَا لَوْ أَرَادَ العَالِمُ الكِيمِيَائِيُّ مَعْرِفَةَ مَدَى تَأْثِيرِ الضَّغْطِ عَلَى الغَازَاتِ، فَإِنَّهُ يُجْرِي التَّجْرِبَةَ عَلَى بَعْضِ الغَازَاتِ، وَعِنْدَمَا يَرَى أَنَّهُ كُلَّمَا زَادَ الضَّغْطُ عَلَى هَذِهِ الجُزْئِيَّاتِ - مَوْضُوعُ التَّجْرِبَةِ - قَلَّ حَجْمُهَا، وَكَلَّمَا نَقَصَ الضَّغْطُ زَادَ حَجْمُهَا بِنِسْبَةٍ مُعَيَّنَةٍ تَحْتَ دَرَجَةِ حَرَارَةٍ مُعَيَّنَةٍ، يَتَّخِذُ مِنْ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي لَاحَظَهَا أَثْنَاءَ التَّجْرِبَةِ حُكْمًا عَامًّا لِجَمِيعِ الغَازَاتِ. فَيَضَعُ - عَلَى ضَوْئِهِ - قَاعِدَةً عَامَّةً مَفَادُهَا: (كُلُّ غَازٍ إِذَا زَادَ الضَّغْطُ عَلَيْهِ قَلَّ حَجْمُهُ، وَإِذَا نَقَصَ الضَّغْطُ عَنْهُ زَادَ حَجْمُهُ بِنِسْبَةٍ مُعَيَّنَةٍ تَحْتَ دَرَجَةِ حَرَارَةٍ مُعَيَّنَةٍ)......

      وَالكِيمِيَائِيُّ إِنَّمَا عَمَّمَ الحُكْمَ عَلَى جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِ الغَازِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْرِئْ جَمِيعَ الجُزْئِيَّاتِ، لِأَنَّهُ يُؤْمِنُ بِأَنَّ تِلْكَ الظَّاهِرَةَ الطَّبِيعِيَّةَ فِي الغَازِ هِيَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّغْيِيرَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَيُؤْمِنُ أَيْضًا بِأَنَّ كُلَّ تَغَيُّرٍ طَبِيعِيٍّ لاَبُدَّ وَأَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى عِلَّةٍ.

     وَبِمُلَاحَظَةِ تَكْرَارِ التَّجْرِبَةِ عَلَى أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ الغَازَاتِ انْتَهَى إِلَى أَنَّ زِيَادَةَ الضَّغْطِ هِيَ عِلَّةُ قِلَّةِ الحَجْمِ، وَأَنَّ قِلَّةَ الضَّغْطِ هِيَ عِلَّةُ زِيَادَةِ الحَجْمِ. وَبِمَا أَنَّهُ يُؤْمِنُ أَيْضًا بِأَنَّ الغَازَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا ذَاتُ طَبِيعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ حَيْثُ هِيَ غَازَاتٌ، وَضَعَ قَاعِدَتَهُ العَامَّةَ.

     فَعَلَى أَسَاسِ وَحْدَةِ العِلَّةِ عَمَّمَ حُكْمَهُ لِجَمِيعِ الجُزْئِيَّاتِ حَتَّى لِلَّتِي لَمْ يَسْتَقْرِئْهَا.

     أَضْفِ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الحُكَمَاءُ هُوَ قَانُونُ العِلِّيَّةِ وَلَيْسَ قَانُونَ السَّبَبِيَّةِ، وَهُنَاكَ فَرَقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ القَانُونَيْنِ. أَحْجَمْنَا عَنْ بَيَانِ الفَرْقِ لِدِقَّتِهِ وَاحْتِيَاجِهِ إِلَى جُمْلَةٍ مِنْ المُقَدِّمَاتِ الفَلْسَفِيَّةِ.