تَذْهِيبُ القِبَابِ المُنِيفَةِ لِأَئِمَّتِنَا الأَطْهَارِ (ع) مَطْلُوبٌ شَرْعًا وَعُرْفًا.

أبُو كِيَانٍ الْحُسَينِيُّ الطَّالِقَانِيُّ/: نَعَمْ، أَتَّفِقُ مَعَكُمْ أَنَّ القِبَابَ هِيَ رَمْزٌ مِنْ رُمُوزِ عِزَّتِنَا أَوْ مِنْ رُمُوزِنَا ••• ولاعِلَاقةَ لِوُجُودِنَا وَالعِنَايَةَ بِهَا، وَأَنَّهُ جُزْءٌ لَا يَتَجَزَّأُ ••• وَأَتَحَدَّاكُمْ أَنْ تُثْبِتُوا لِي مِنْ الإِسْلَامِيَّةِ مَوْضُوعَ تَشْيِيدِ القِبَابِ بِالذَّهَبِ إنْ كَانَ قُرْآنِيًّا أَوْ رِوَائيًا ؟؟؟! وَالكَلَامُ هُوَ صِفَةُ المُتَكَلِّمِ، وَأنْ تَصِفُوا مَنْ يَطْرَحُ كَلَامًا سَدِيدًا صَائِبًا وَعَقْلِيًّا وَدِينِيًّا وَإِنْسَانِيًّا بِأَنَّهُ يَجْهَلُ الشَّرِيعَةَ الإِسْلَامِيَّةَ، وَالعَكْسُ هُوَ الصَّحِيحُ •• نَعَمْ، الإِسْلَامُ حَثَّ عَلَى تَعْظِيمِ الشَّعَائِرِ، وَلَكِنْ مَنْ قَالَ: إنَّ وَضْعَ الذَّهَبِ مِنْ الشَّعَائِرِ!! الشَّعَائِرُ مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ، وَالتَّقْوَى الَّتِي عَلَّمَنَا أَهْلُ البَيْتِ أَيُّهَا هِيَ تُخَالِفُ المَنْهَجَ الَّذِي تَطْرَحُونَهُ، أَيْ أَنَّ الذَّهَبَ مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ!!!؟ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ •• وَهَلْ مَا يَقُولُهُ الشَّيْخُ مَكَارِمٌ الشِّيرَازِي آيةٌ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ حَدِيثٌ نَبَوِيٌّ؟؟!! يَعْنِي تُطْرَحُ الآيَةُ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَهَا مَا يَنْفَعُ طَرْحَكُمْ فَيَتَحَوَّلَ المَوْضُوعُ إِلَى نَاصِر مَكَارِمٍ الشِّيرَازِي!!!! بَعْدِين أَبَدًا لَا يُوجَدُ شَخْصٌ مُحِبٌّ لِأَهْلِ البَيْتِ يُرِيدُ التَّقْلِيلَ مِنْ أَهَمِّيَّةِ المَرَاقِدِ ••• وَفِي هَذا الكَلَامِ كَلِمَاتٌ إِرْهَابِيَّةٌ تُنَفِّرُ النَّاسَ عَنْكُمْ ••• نَعَمْ، لَا بْأَسَ أنْ تُكْتَبَ الزِّيَارَةُ بِمَاءِ الذَّهَبِ، لَكِنْ إِذَا بَلَغَ الذَّهَبُ 80 كغم فَلا يَقْبَلُ بِهَا جَعْفَرُ ابْنُ مُحَمَّدٍ إِطْلَاقًا •!!! سَتَبْقَى مَرَاقِدُ وَقِبَابُ أَضْرِحَةِ أَئِمَّتِنَا رَمْزًا لَنَا وَلِكُلِّ الأَحْرَارِ فِي العَالَمِ ••• لَكِنْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا •. مَاذَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَيُّهَا الرُّهْبَانُ لِلمَرَاقِد ِ﷽: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمِ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) • صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيمُ •. إِذَا كَانَ الذَّهَبُ مِنْ الشَّعَائِرِ ••• فَعَلَيْكُمْ بِتَعْظِيمِ الشَّعَائِرِ وَتَوْزِيعِهِ أَوْ تَوْزِيعِ ثَمَنِهِ لِفُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى اللهِ وَإِلَى أَهْلِ البَيْتِ (ع) •••• كَلَامُ نَثْرٍ مُجَرَّدُ سَفْسَطَةٍ •.

: اللجنة العلمية

       تحية طيبة

     لَمْ نَكُنْ فِي جَوَابِنَا السَّابِقِ قَدْ تَعَرَّضْنَا لِأَدِلَّةِ جَوَازِ تَزْيِينِ قُبَبِ أَئِمَّتِنَا (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَرُجْحَانِهِ، وَاكْتَفَيْنَا بِذِكْرِ بَيَانٍ عَامٍّ فِي المَوْضُوعِ، فَجَاءَ مَنْ يَسْتَشْكِلُ عَلَى جَوَابِنَا وَيُطَالِبُنَا بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ، فَلْيَأْخُذْ الدَّلِيلَ:

      لَقَدْ ثَبَتَ الإسْتحْبَابُ المُؤَكَّدُ لِتَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ قُرْآنًا وَسُنَّةً مَعْصُومَةً بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، بَلْ أَفْتَى بَعْضُ فُقَهَائِنَا كَالسَّيِّدِ السِّيسْتَانيِّ (دَامَ ظِلُّهُ الوَارِفُ) بِالوُجُوبِ الكِفَائيِّ لِهَذَا التَّعْظِيمِ، وَهَذِهِ هِيَ كُبْرَى المَسْأَلَةِ لَا نِقَاشَ لِأَحَدٍ مِنْ فُقَهَاءِ الإمَاميَّةِ فِيهَا، وَكَوْنُ مَرَاقِدِ الأَئِمَّةِ الأَطْهَار (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) هِيَ مِنْ مَصَادِيقِ هَذِهِ الشَّعَائِرِ الَّتِي يَنْبَغِي تَعْظِيمُهَا، أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ.

     يَبْقَى الكَلَامُ عَنْ التَّعْظِيمِ المَطْلُوبِ شَرْعًا القِيَامُ بِهِ تُجَاهَ هَذِهِ المَرَاقِدِ مَا هُوَ؟!!

     الجَوَابُ: التَّعْظِيمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّفْخِيمُ وَالتَّبْجِيلُ، وَتَبْجِيلُ كُلِّ شَيْءٍ وَتَفْخِيمُهُ يَكُونُ بِحَسَبِهِ مِنْ هَذِهِ الشَّعَائِرِ، فَتَعْظِيمُ شَعَائِرِ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مَثَلًا يَكُونُ بِإِقَامَةِ المَآتِمِ وَتَشْيِيدِ السُّرَادِقِ لِلزُّوَّارِ وَإِطْعَامِهِمْ بِأَجْوَدِ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ وَهَكَذَا، وَتَعْظِيمُ المُصْحَفِ الشَّرِيفِ وَتَبْجِيلُهُ يَكُونُ بِوَضْعِهِ بِمَكَانٍ مُرْتَفِعٍ عَنْ مَدَاسِ الأَرْجُلِ وَالأَقْدَامِ وَعَدَمِ وَضْعِهِ فِي أَمَاكِنِ النَّجَاسَاتِ والقَاذُورَاتِ; لِأَنَّ وَضْعَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَمَاكِنِ يُعَدُّ تَحْقِيرًا لَهُ وَهَتْكًا لِحُرْمَتِهِ وَهُوَ خِلَافُ التَّعْظِيمِ، وَهَكَذَا بَقِيَّةُ حَالَاتِ التَّعْظِيمِ المَطْلُوبَةِ لِكُلِّ مِصْدَاقٍ مِنْ مَصَادِيقِ هَذِهِ الشَّعَائِرِ المُتَعَارِفِ عَلَيْهَا بِحَسَبِهِ.

     وَالكَلَامُ نَفْسُهُ يَجْرِي فِي تَعْظِيمِ مَرَاقِدِ الأَئِمَّةِ الأَطْهَارِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) مِنْ حَيْثُ بِنَاؤُهَا وَالعِنَايَةُ بِهَا; إِذْ يَكُونُ بِمَا يُنَاسِبُهَا مِنْ حَالَاتِ التَّفْخِيمِ وَالتَّبْجِيلِ، وَالتَّزْيِينُ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ يُعَدُّ عُرْفًا مِنْ أَنْوَاعِ التَّفْخِيمِ وَالتَّبْجِيلِ فِي البِنَاءِ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ النَّاحِيَةِ العُرْفِيَّةِ، بَلْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّفْخِيمِ وَالتَّكْرِيمِ )أَيْ التَّزْيِينُ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ) قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ القُرْآنُ وَالسُّنَّةُ المَعْصُومَةُ مَعًا، وَإِلَيْكَ الدَّلِيلُ:

       فَقَدْ وَرَدَ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ التَّرْغِيبُ بِذِكْرِ التَّزْيِينِ بِحُلِيٍّ مِنْ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ فِي الآخِرَةِ تَكْرِيمًا وَتَبْجِيلًا لِلمُؤْمِنِينَ لِمَا أَبْدَوْهُ مِنْ إِخْلَاصِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ لِلهِ فِي الدُّنْيَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلذَّهَبِ وَالفِضَّةِ مَعْنَى التَّفْخِيمِ وَالتَّبْجِيلِ عُرْفًا لَمَا صَحَّ تَرْغِيبُ المَولَى سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّرْغِيبِ; لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَقْضًا لِغَرَضِهِ، وَنَقْضُ الغَرَضِ لَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ الحَكِيمُ جَزْمًا!!

      يَقُولُ تَعَالَى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} فَاطِر:33. 

      وَيَقُولُ تَعَالَى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} الإنسَانُ: 21.

      مَعَ الإلْتِفَاتِ بِأَنَّ مَحَلَّ كَلَامِنَا هُنَا إِنَّمَا هُوَ عَنْ انْطِبَاقِ عُنْوَانِ التَّكْرِيمِ وَالتَّفْخِيمِ عَلَى التَّزْيِينِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ عُرْفًا، لَا عَلَى جَوَازِ لِبْسِهِمَا فِي الآخِرَةِ وَحُرْمَتِهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى الرِّجَالِ وَغَيْرِهِ، فَهَذَا لَهُ بَحْثٌ آخَرُ.

      وَمِنْ السُّنَّةِ المَعْصُومَةِ، مَا جَاءَ فِي "الحَدَائِقِ النَّاضِرَةِ" ج10 ص 197 لِلمُحَقِّقِ البحْرَانيِّ: (وَرَوَى الصَّدُوقُ فِي الفَقِيهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْهُ (عَ) قَالَ: (إِذَا كَانَتْ عَشِيَّةَ الخَمِيسِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ نَزَلَتْ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ مَعَهَا أَقْلَامُ الذَّهَبِ وَصُحُفُ الفِضَّةِ لَا يَكْتُبُونَ عَشِيَّةَ الخَمِيسِ وَلَيْلَةَ وَيَوْمَ الجُمُعَةِ وَيَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ إِلَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ). انْتَهَى.

      وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةٌ جِدًّا فِي تَعْظِيمِ شَأْنِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ مِنْ نَاحِيَةِ كِتَابَتِهَا بِأَقْلَامٍ مِنْ ذَهَبٍ وَصُحُفٍ مِنْ فِضَّةٍ.

      وَجَاءَ فِي الكَافِي ج6 ص 475 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ الإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): كَانَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يُحَلِّي وُلْدَهُ وَنِسَاءَهُ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ. انْتَهَى. 

    وَفِي الكَافِي أَيْضًا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سَرْحَانَ قَالَ:  سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَنْ الذَّهَبِ يُحَلَّى بِهِ الصِّبْيَانُ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ أَبِي يُحَلِّي نِسَاءَهُ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. انْتَهَى [المَصْدَرُ نَفْسُهُ]. وَجَاءَ فِي صَحِيحِ ابْنِ سِنَانٍ: لَيْسَ بِتَحْلِيَةِ السَّيْفِ بَأسٌ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ.

      وَفِي خَبَرِ ابْنِ سَرْحَانَ: لَيْسَ بِتَحْلِيَةِ المَصَاحِفِ وَالسُّيُوفِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ بَأْسٌ. [مُسْتَمسَكُ العُرْوَةِ الوُثْقَى ج5 ص 358].

      وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْقُمِيِّ (ج2 ص 246) وَقَوْلُهُ: (لَكِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ - إِلَى قَوْلِهِ - المِيعَادَ) قَالَ: فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَ) قَالَ: سَأَلَ عَلِيٌّ (عَ) رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ فَقَالَ: لِمَاذَا بُنِيَتْ هَذِهِ الغُرَفُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ :يَا عَلِيُّ، تِلْكَ غُرَفٌ بَنَاهَا اللهُ لأوْلِيَائِهِ بِالدُّرِّ وَاليَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، سُقُوفُهَا الذَّهَبُ، مَحْبُوكَةٌ بِالفِضَّةِ، لِكُلِّ غُرْفَةٍ مِنْهَا أَلْفُ بِابٍ مِنْ ذَهَبٍ). انْتَهَى.

      فَهَذِهِ الأخبَارُ الصَّحِيحَةُ وَغَيْرُهَا دَالَّةٌ عَلَى عُنْوَانِ التَّفْخِيمِ وَالتَّبْجِيلِ - الَّذِي هُوَ مَعْنَى التَّعْظِيمِ لُغَةً - لِلتَّزْيِينِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَمَعَهُ لَا مَجَالَ لِلتَّوَقُّفِ فِي جَوَازِ طَلْيِ هَذِهِ القُبَبِ الشَّمَّاءِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ تَعْظِيمًا لَهَا وَإِظْهَارُهَا فِي أَفْضَلِ حَالَاتِ التَّبْجِيلِ وَالتَّفْخِيمِ، وَلَمْ يَرِدْ نَهْيٌّ مِنْ الشَّارِعِ عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّعْظِيمِ، فَيَبْقَى دَلِيلُ التَّعْظِيمِ الوَارِدُ فِي الآيَاتِ وَالرِّوَايَاتِ عَلَى إِطْلَاقِهِ مِنْ حَيْثُ الجَوَازُ وَالفَهْمُ العُرْفِيُّ.

      تَقُولُ: أَلَيْسَ الأَوْلَى تَوْزِيعَ هَذِهِ الأَمْوَالِ الَّتِي تُصْرَفُ فِي تَزْيِينِ هَذِهِ القُبَبِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ عَلَى الفُقَرَاءِ وَاليَتَامَى وَالمُحْتَاجِينَ؟!!

     نَقُولُ: بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ فِي الحَثِّ عَلَى تَعْظِيمِ المَرَاقِدِ وَبِنَائِهَا وَالإهْتِمَامِ بِهَا لَا نَجِدُ مَجَالًا لِلقَوْلِ بِالأَوْلَوِيَّةِ الَّتِي بِمَعْنَى الأَفْضَلِ هُنَا، وَيَبْقَى لِكُلِّ مَوْرِدٍ مِنْ مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ مَجَالُهُ وَتَشْرِيعُهُ، فَكَمَا جَاءَ الحَثُّ فِي الشَّرِيعَةِ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الأَيْتَامِ وَالفُقَرَاءِ وَالمُحْتَاجِينَ وَالإهْتِمَامِ بِهِمْ، كَذَلِكَ جَاءَ الحَثُّ عَلَى تَعْظِيمِ هَذِهِ المَرَاقِدِ وَالعِنَايَةِ بِهَا وَإِظْهَارِهَا بِأَفْضَلِ حَالَاتِ التَّبْجِيلِ وَالتَّفْخِيمِ شَرْعًا، فَلَا مَجَالَ لِدَعْوَى الأَوْلَوِيَّةِ هُنَا، لَا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا، بَلْ البِنَاءُ العُرْفِيُّ هُوَ عَلَى تَعْظِيمِ هَذِهِ المَرَاقِدِ إِلَى حَدِّ الدِّفَاعِ عَنْهَا وَالإهْتِمَامِ بِهَا بِكُلِّ غَالٍ وَنَفِيسٍ، كَمَا أَنَّ التَّزَاحُمَ لَمْ يَثْبُتْ بَيْنَ التَّشْرِيعَيْنِ حَتَّى يُقَالَ بِتَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ مِنْ حَيْثُ الأَهَمِّيَّةُ، فَيَبْقَى مَوْرِدُ التَّعْظِيمِ لِهَذِهِ المَرَاقِدِ عَلَى حَالِهِ وَبَيَانِهِ، كَمَا تَبْقَى تِلْكَ الأَدِلَّةُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الفُقَرَاءِ وَاليَتَامَى وَالمُحْتَاجِينَ عَلَى حَالِهَا وَبَيَانِهَا لَا تَزَاحُمَ بَيْنَهُمَا، وَالوَاقِعُ الخَارِجِيُّ أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى انْتِفَاءِ التَّزَاحُمِ هُنَا بَيْنَ المُوَرِّدِينَ، فَالمَرْجِعِيَّاتُ الرَّشِيدَةُ وَالمُؤْمِنُونَ المَيْسُورُونَ كَمَا يُنْفِقُونَ فِي مَوَارِدِ العِنَايَةِ بِهَذِهِ المَرَاقِدِ المُنِيفَةِ، يُنْفِقُونَ كَذَلِكَ فِي مَجَالِ رِعَايَةِ الفُقَرَاءِ وَاليَتَامَى وَالمُحْتَاجِينَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ إِنْفَاقُهُمْ فِي الجَانِبِ الثَّانِي أضْعَافًا مُضَاعَفَةً لِمَا يُنْفِقُونَهُ فِي الجَانِبِ الأَوَّلِ. 

      وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.