هل اختلاف الرؤى وتعدد الاجتهادات يوقعنا في فخ نسبية المعرفة وتعدد الحق؟

: الشيخ ليث العتابي

عرفت هذه الاشكالية باسم نسبية المعرفة الدينية وتعدد الحق, والتي تعني أنّ المعرفة الدينية تتغير من جيل إلى جيل, ومن جماعة إلى اُخرى, ويدّعي أصحاب هذه الاشكالية, بأنّ معارفنا الدينية الحالية تختلف اختلافاً كبيراً عن المعارف الدينية في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام), تبعاً لاختلاف العلوم وتغير المعارف, وكذلك تختلف باختلاف العلماء والمجتهدين وباختلاف الاديان والاتجاهات, مهما بلغ بها الاختلاف والتباعد, فهي كلها على حق, فالمسلم على حق والمسيحي على حق رغم التناقض بينهما, في كثير من النقاط الجوهرية, هل يمكن قبول هذا الطرح والتماشي معه؟  

في البدء لا بد من ذكر مسألة أساسية: إنّنا نؤمن بأنّ المعرفة الدينية لا يمكن أن تكون على مستوى واحد لدى الجميع, وإنّما هي على مستويات ودرجات, تختلف باختلاف الأشخاص وقابلياتهم, ومقدار قربهم من مصادر الوحي وبيت النبوة, وهذه حقيقة مسلّمة توافق عليها السلف والخلف من علمائنا, وهو معنى أكدته الكثير من الروايات, كالتي تتحدث عن أنّ القران فيه ظاهر وباطن, بل سبعة أبطن(1), لا يمكن أن ينال تلك البطون إلاّ الراسخون في العلم الذين فضلهم وقدمهم على غيرهم (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)(2) فالراسخون في العلم يعلمون من القرآن ما لا يعلمه غيرهم من مضامين وأسرار, وهناك سُلّم تدريجي ينتهي بالنبي (صلى الله عليه واله) وعترته (صلوات الله عليه )حيث تكون المعرفة عندهم على أتمها وأكملها, أضف إلى ذلك أنّ الاسلام يقيّم درجات أتباعه في ضوء العلم والمعرفة, فكلما كان الإنسان أكثر علماً ومعرفة كان أكثر قرباً من الله تعالى, وهناك روايات تدل على أنّه لم يعرف الله حق معرفته إلاّ النبي ( صلى الله عليه واله) ووصيه أمير المؤمنين (عليه السلام ), وهما أفضل البشر, وإنّ علم علي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه واله), قال (عليه السلام): (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله علمني ألف باب من الحلال والحرام ومما كان ومما يكون إلى يوم القيامة، كل باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب)(3)

كل ذلك يثبت أنّ المعرفة الدينية يستحيل أن تكون على مستوى واحد عند الجميع, كيف؟ وأنّ هناك اختلافاً كبيراً في قابليات البشر, ومقدار جهدهم في كسب المعرفة وتحصيلها.

ولو أخذنا بالفكرة القائلة, أنّ المعرفة تسير في خط صعودي, لأنّها تراكمية يستفيد المتأخر من البشر الافكار والمعارف والخبرات الّتي بذلها السابقون عليه, فإنّ هذا يحتّم أن تكون قابلياتنا على فهم أفكار السابقين أكثر نضجاً وأعمق وأدق منهم, وقد وردت أحاديث تقول: أنّ هناك آيات نزلت لقوم متعمقون يأتون في آخر الزمان, فقد تنبأت بمجيئ أناس يفهمون هذا الصنف من الآيات؛ لأنّهم أوسع وأعلى معرفة من الاخرين(4)

من هنا يدخل البعض في دائرة الشبهة, وإثارة الاشكال, فيطرح هذا السؤال: ما دام لا توجد معرفة واحدة يستوي فيها الجميع, إذن لا يوجد لدينا دين واحد, ولا إسلام واحد, وإنّما هو متعدد بتعدد الاتجاهات والرؤى, التي تشترك جميعها في نصيب الحق، وإلاّ فأي الافهام والمستويات أحق بأن يمثّل الاسلام الحقيقي دون الافهام الأُخرى؟ 

وقد ساعدت على طرح هذا السؤال كثرة الاجتهادات, والاختلافات والتأويلات الّتي حصلت في تاريخ المسلمين, فهناك فرق عديدة كلها تطرح رؤية خاصة للإسلام وتدّعي أنّها هي الاسلام الصحيح دون غيرها من الفرق, وهذا واضح في الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة.

وهناك اجتهادات خاصة ومدارس مختلفة داخل كل واحد من هذه المذاهب, بل إنّ كل مجتهد يحمل رؤى وأحكام اجتهادية تخالف ما يطرحه الآخرون, ومع كل هذه الرؤى المختلفة ينتظر المسلمون إمام المصلحين، وآخر الخلفاء الراشدين, الذي يملئ الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً, وسوف يغيّر كثيراً من الاحكام , ويأتي بدين جديد, على العرب شديد, وما ذاك اليوم ببعيد. 

ومن هنا أنطلق البعض للقول, بأنّه ما دام الاسلام متنوع ومتعدد بتعدد هذه الرؤى والاجتهادات, فإذن من حقنا أن نطرح رؤى مغايرة هي أولى بالقبول من رؤى المجتهدين؛ لأنّها رؤى حديثة متطورة بتطور الزمان, متحضرة وفق ما وصلت إليه حضارة الإنسان, فيمكن أن نطرح الدين العلماني, وهو دين مدني متحرر من ذهنية الفقه التي توارثها الفقهاء جيلاً بعد جيل منذ عصر النص الديني. يحرص هذا الدين الجديد على علاقة الإنسان بربه, ويبعده عن الجمود على النصوص القديمة, ويكرّس علاقاته مع الله تعالى في مجالاته الشخصية والروحية في اطار المسجد, ففي داخل المسجد يمكن أن نبحث عن علاقة الانسان مع ربه حيث يكون حق الله تعالى, أمّا خارج المسجد, فنبحث عن حق الانسان في إطار دولة مدنية تسعى لتشريع ما يطلبه الانسان ويحتاجه, دون الاحتكام إلى نصوص الدين وتشريعاته, تجسيداً لمقولة (الفصل بين الدين والسياسة), ثم من أبرز ما يطالب به هذا الاتجاه هو تحرير المرأة مما نالها من أحكام تعسفية تفرض قواميّة الرجل عليها, أو ترفض شهادتها بما يعادل الرجل, أو تفرض عليها حجاب أو تحرمها من إرث مساوي للرجل.

وقد استندوا لإثبات مزاعمهم بأدلة يمكن تلخيصها:

1ـ إنّ المعرفة الدينية معرفة بشرية تتأثر بما يحيطها من علوم ومعارف, وفي نهاية أمرها لا يمكن أن تكون خالية من شوائب النظرة القبلية التي تتحكم بها وتشكلها, كما تقوم نظارة العيون الملونة بتلوين أي شيء يمكن أن تقع الرؤية عليه, ومن هنا فإنّ جميع المعارف البشرية محكومة بالاختلاف والتغاير, لتغاير تلك القبليات السابقة, وعليه فلا يمكن أن يستحوذ أحدها امتلاك الحقيقة؛ لأنّها جميعاً  معارف مشوبة غير صافية، وبعيدة عن واقع المعرفة الحقة.

2ـ لو رجعنا إلى كتب التراث الّتي وصلت الينا, فإنّ كل اتجاه أو دين قام بحشد كمية كبيرة من الأدلة والنصوص التي تثبت حقانيته وبطلان الاتجاهات الاخرى, ومع أخذ الجميع بنظر الاعتبار تتساوى لدى المنصف جميع الاتجاهات بالدرجة التي يتناسب إسناد الحق لهم جميعا.

3ـ لا يمكن أن يتجّرد الباحث عن الخطأ في بحثه وما يصل إليه من نتائج, وبهذا نرى أنّ أي اتجاه ديني لا يخلو في رؤيته من الاخطاء, وإن وُجدِت فيه آراء صحيحة, وهذه الصفة شاملة للجميع, ومن ثَمّ لا يحق لنا أن ندّعي الحق لجهة دون اُخرى.

وهنا في هذه العجالة من البحث, نسعى ما أمكننا الوسع من توضيح الخلط والالتباس الذي وقع فيه هؤلاء, وبشكل مجمل, حيث يتعذّر  تقديم رؤية متكاملة في نقد هذا الاتجاه الواسع والخطير, والذي يعتمد على ركائز متعددة في مثل هذه العجالة, نجمله بنقاط:

أولاً: قد ثبت في البحوث المنطقية, إنّه من الخطأ جداً أن يتم الانتقال من عالم الواقع إلى عالم الواجب, أي أنّ وجود هذه الاختلافات لا يعطيها المشروعية، ولا يوجب علينا أن نتبعها , بل الواجب علينا أن نبحث عن الحقيقة, فليس وجود المذاهب وحضورها منذ القدم في تاريخ المسلمين يعطيها الاحقيّة, والصوابيّة جميعاً, فنحن مع وجود هذه الاتجاهات والاختلافات نقول: إنّ الصحيح منها واحد, فليس كلها صحيح, وليس كلها يعبّر عن المعرفة الاسلامية الحقة التي جاء بها الرسول ( صلى الله عليه وآله), ويجب أن نبحث عن الخلل والسبب الذي جعل بعضها أبعد عن الحق, وقد يكمن الخلل في بعض المفاصل لا في جميعها, فمثلا الشيعة لا تقول أنّ مذهب السنة على خطأ جملة وتفصيلاً, ولا السنة تقول في حق مذهب الشيعة ذلك, وإنّما هناك نقاط حساسة يدور حولها الخلاف, ويحمل كلٌ أدلته , ولا يمكن مع وجود هذا الخلاف أن يكون كلا المذهبين على حق ومطابق للحقيقة, خصوصاً لو كانت حقائق تاريخية, كما هو الحاصل بالفعل.

والذي نجده لبعض الاشخاص, أنّهم عندما يجدون الكثير من المؤلفات والمجلدات التي تتعرض للمسائل الكلامية وقد حشدت بزخم هائل من الجدل والنقاش, وكلٌ يستند في نقاشه على العقل ويدّعي أن الحق معه, فإنّهم يضيعون في زحمه هذه النقاشات, فيخرجون بنتيجة تقول: لا يمكن الظفر بالحقيقة, بل إنّها حق مشاع للجميع, وكأنّهم يبحثون عن مخرج إصلاحي يرضون به الخصمين المتنازعين, يريدون أن يسدلوا حجابا على التاريخ المحمّل بأثقاله, بكل ما فيه من فجائع وحوادث, ويحاكموا قادة الماضي وائمة المذاهب بحكم ساذج سطحي: كلكم على حق. أي معنى لمثل هذه البساطة؟ وكيف نلقي مثل هذا الحكم من دون أن نستند إلى وسائل التحقيق التاريخية ونسلك, مناهج التاريخ ونحكّم أدواته في معرفة ما كان وماذا حصل؟

هذه البساطة في الحكم لا تناسب اصحاب العقول الكبيرة التي يخوضون بها عباب الجدل ليقيموا معوج الفكر, وإنّما يناسب من أصاب الفتور عقله وضعف فكره.

ثانياً: إنّ السعي العلمي نحو المعرفة الدينية, ووقوع الاخطاء وكثرة التأويلات, لا يجعل منها معارف متعددة وحق متعدد, بمعنى يكون لكل معرفة نصيب من الحق, باعتبارها معرفة بشرية والتعدد من شؤون المعارف البشرية, فهناك معارف اُخرى شبيهة بالمعرفة الدينية وهي أيضاً نتاج الجهد البشري, كعلم الفيزياء, فإنّه مع كونه قائم بالجهد البشري, لا يمكن أن ندّعي أنّ هناك قوانين فيزيائية روسية واُخرى أمريكية, على الرغم من أنّ كل واحد منهما له طريقته الخاصة ومختبراته التي يقيم فيها تجاربه, ولم نسمع أنّ قوانين (نيوتن) حق ورؤيته صحيحة رغم إبطال عموميتها من قبل (اينشتاين) ونسبيته العامة والخاصة. بل الصحيح أن يقال: إنّ (اينشتاين) عدّل وصحح آراء الماضين التي ثبت خطؤها, وأبدع وأضاف آراء جديدة.

فلماذا يقال: إنّ المعارف البشرية في مجال الفيزياء معارف تراكمية يصحح المتأخر منها ما تقدم من تجارب أخفقت ولم تصل إلى مبتغاها, فيؤمن في حقها بمبدأ الصواب والخطأ, في حين يراد أن تكون الاتجاهات الدينية ذات قوالب جامدة, ونتاجات كلها تتميز بالصحة والحقانيّة, ولا يمكن أن يكون هناك حق وباطل، بل الجميع حق وصحيح.

ليس الهدف من ذلك كله تصحيح تلك الاتجاهات القديمة, فهم يرفضوها ويتهموها بالتخلف والرجعية, بل لتصحيح وإعطاء المشروعية للدين الجديد (اي الدين العلماني(, ذلك الدين المستورد والمدخول على ثقافتنا .

ثالثا: لا يمكن أن ننفي وجود رؤى مختلفة فالواقع يشهد بذلك لكننا نقول: إنّه لا يمكن أن تكون كل الاختلافات الواقعيّة مبررة وعلى حق, أمّا كيف يمكن أن نميز بين الحق والباطل؟ فهناك سياقات خاصة, يمكن أن يتخذها طالب الحقيقة لتمييز ما يبتغي تمييزه.

وقد ورثنا من أسلافنا في كل مجال مجموعة من الوسائل المعرفية, يمكن أن نستخدمها في مجالاتها الخاصة, ففي مجال العقيدة ورثنا علم الكلام, وفي مجال الاحكام والتشريعات ورثنا علم الاصول والفقه, كما أنّنا ورثنا علم التجربة والاختبار في إثبات قوانين المادة والحركة وجميع الاكتشافات في ميدان الطبيعة.

والمعرفة الدينية هي جزء من منظومتنا الفكرية, فلها وسائل إثبات خاصة حيث نستخدم علم الاصول والفقه لننتج رؤية اجتهادية تقربنا من الاحكام الإلهيّة, وكل هذه الوسائل ليس الهدف منها صناعة معرفة بعيدة عن واقع المعرفة الدينية الحقة, بل تهدف إلى اكتشافها والوصول إليها, فهناك من يخطأ وهناك من يصيب, فليس مهمة المجتهد أن ينتج منظومة فكرية من خياله, وإنّما يعمل كما يعمل الفيزيائي في اكتشاف قوانين المادة كما هي, غاية ما في الامر قد يخطأ وقد يصيب.

رابعاً: صحيح أنّ الرؤى الاجتهادية التي يقدمها الفقهاء لا يمكن أن نقول عنها: إنّها الدين الصحيح والمعرفة الحقة, لكنّها وباعتبارها اتبعت الوسائل المعرفية التي ينبغي اتباعها في مجالها, فهي يمكن أن تقدم ما يسمّى دائرة الحجية ( أي أنّ من الواجب اتباعها وستكون مبرئ للذمة اتجاه الاحكام الإلهيّة ), ولا يمكن العدول عنها واتخاذ اساليب مغايرة لا تنسجم معها, فكما أنّه من الخطأ الخلط بين الوسائل المعرفية في مجالات العلوم, فلا يمكن أن نقف ونتأمل بالطريقة العقليّة لمعرفة وتشخيص مرض معين من دون الاطلاع عليه وتشخيصه, أو استخدام الدليل العقلي البحت لمعرفة عدد الكواكب من دون المراقبة الفلكية, كذلك لا يمكن ونحن بصدد معرفة احكام الشريعة أن نختار التجربة والمختبر وتغليب قوانين العلوم الطبيعية لمعرفة احكام الشريعة وغاياتها, بل لا بد من اتخاذ الادوات والوسائل التي توصلنا إلى الاحكام الفقهية، وقد وفّر لنا علمائنا الكثير من ذلك, من خلال جهدهم الكبير في علمي الاصول والفقه, ونحن لا نريد أن نلغي طرح الرؤى الاجتهادية والتجديدية التي قد تخرج على مسلك القدماء لا نريد ذلك كيف ونحن نتحدث عن رؤى اجتهادية، والاجتهاد يساوي التحديث والتجديد, لكن لا يعني ذلك أن نغادر روح الشريعة ونلهث وراء ما يستورد من أفكار باسم الحضارة والحداثة والتجديد, بل يجب أن ننطلق برؤى تحمل روح التجديد الاصالة وتستند إلى جذور عريقة عراقة الفقه والنص الشرعي.

والذي حصل لبعض من ادعى الدين العلماني أنّه الغى هذه السياقات المعرفية, ووضع احكاماً بديلة تأثّراً منه بما هو السائد من قوانين واحكام وضعية, وتأثراً منه بنظرة فلسفية تؤمن بأنّ المعارف الدينية عبارة عن معارف بشرية متغيرة تتأثر بمعارف الإنسان العامة, كما ينبغي تجديدها باستمرار كلما تغيّرت تلك المعارف العامة, وكان الاحرى عليه أن يلغي جميع المعارف والعلوم؛ لأنّها أيضاً معارف بشرية, وبالنهاية يلغي كل ما توصل إليه هو نفسه من معرفة ونتائج, ولا بد عليه أن يؤمن بموتها وهي في مهدها, باعتبارها معرفة بشرية.

والخلاصة إنّ المعرفة الدينية يمكن أن تختلف باختلاف الاشخاص وقابلياتهم, وما يحملون من معارف ومعلومات لكن ذلك لا يبرر لنا أن نصف جميع تلك العمليات الاجتهادية بالصواب, مالم تلتزم بالمنهج العلمي الصحيح, وتتحرك في دائرة الممكن لتلك الرؤى الاجتهادية, فليس من الحق أن يتحدث خرّيج الابتدائية بما يملك من معلومات دراسته تلك عن فيزياء الكم المعقدة, وإن تحدّث بذلك فقد خرج من دائرة المسموح, وكذلك ليس من حق الذي لم يتخصص بالفقه والاصول وعمليات الاستدلال الفقهي أن يتحدّث ويطرح رؤية اجتهادية؛ لأنّها ستكون خارجة عن السياق، وغريبة عن ميدان الاجتهاد. هذا إن تكلمنا عن حالة الاختلاف الحاصلة بين الفقهاء فيما يتوصلون إليه من إحكام فقهية.

أمّا عند الحديث عن المعرفة الدينية في اطارها الاوسع, فليس من الصحيح أن توسم جميع الرؤى الدينية، والاتجاهات المذهبية بالحق والصحة, ما دامت هناك مسائل يمكن أن تخضع للدرس والاختبار ضمن ادواته التاريخية، أو الكلامية، أو غير ذلك, لا يمكن السماح بهذا الحق المباح الذي يوزّع على الجميع بدون مقابل اعتماداً على فكرة بشرية المعرفة الدينية؛ لأنّ هذا المنطق سيؤدي إلى رفض جميع العلوم؛ لأنّها تتصل بالبشر وترتبط بهم, فهي إذن معرفة بشرية, مع أنّه لا يمكن سلب حالة الخطأ والصواب منها، ولا يصح وصفها على اختلافها بالصواب والحقانيّة, مثل علوم الفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم الاخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عوالي اللآلئ, ابن ابى جمهور احسائى, انتشارات سيد الشهداء, 4: 38  

(2) النساء : 162.

(3) بحار الانوار, العلامة المجلسي, مؤسسة الوفاء, 26: 30.

(4) ورد في كتاب توحيد الصدوق (عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) - لما سئل عن التوحيد – انه قال: إن الله عزوجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله عزوجل  (قل هو الله أحد * الله الصمد)  والآيات من سورة الحديد إلى قوله:  (وهو عليم بذات الصدور)  فمن رام ما وراء هنالك هلك) التوحيد, 2: 283 .